الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } فإنه الحقُّ الصريحُ الذي أجمع عليه الرسلُ قاطبةً فيكون آيةً بـيِّنة على أنه عليه الصلاة والسلام من جملتهم وقرىء { إِنَّ ٱللَّهَ } بالفتح بدلاً من آية أي «قد جئتكم بآية على أن الله ربـي وربُّكم» وقولُه: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراض، والظاهرُ أنه تكريرٌ لما سبق، أي «قد جئتكم بآية بعد آية مما ذكرتُ لكم من خلق الطير وإبراءِ الأكمهِ والأبرصِ والإحياءِ والإنباءِ بالخفيات وغيرِه من ولادتي بغير أبٍ ومن كلامي في المهد وغير ذلك»، والأولُ لتمهيد الحجة والثاني لتقريبها إلى الحكم ولذلك رُتّب عليه بالفاء قولُه: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي «لِمَا جئتُكم بالمعجزات الباهرةُ والآياتِ الظاهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعونِ فيما أدعوكم إليه» ومعنى قراءةِ من فتح: «ولأن الله ربـي وربكم فاعبدوه» كقوله تعالى:لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ } [قريش، الآية: 1] الخ ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ } إشارةً إلى أن استكمالَ القوةِ النظريةِ بالاعتقاد الحقِّ الذي غايتُه التوحيدُ وقال: { فَٱعْبُدُوهُ } إشارةً إلى استكمال القوةِ العمليةِ فإنه يلازِمُ الطاعة التي هي الإتيانُ بالأوامر والانتهاءُ عن المناهي ثم قرر ذلك بأن بـيّن أن الجمعَ بـين الأمرين هو الطريقُ المشهودُ له بالاستقامة، ونظيرُه قوله عليه الصلاة والسلام: " قُلْ آمَنْتُ بالله ثم اسْتَقِمْ " { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } شروعٌ في بـيان مآلِ أحوالِه عليه السلام إثرَ ما أشير إلى طرَفٍ منها بطريق النقلِ عن الملائكة، والفاءُ فصيحة تُفصِحُ عن تحقُّق جميعِ ما قالته الملائكةُ، وخروجُه من القوة إلى الفعل حسبما شرحتُه كما في قوله تعالى:فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } [سورة النمل، الآية 40] بعد قوله تعالى:أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } [سورة النمل، الآية 40] كأنه قيل: فحمَلته فولدتْه فكان كيتَ وكيت وقال: ذيتَ وذيت وإنما لم يذكُرْه اكتفاءً بحكاية الملائكةِ وإيذاناً بعدم الخُلْفِ وثقةً بما فُصّل في المواضع الأُخَرِ. وأما عدمُ نظمِ بقية أحوالِه عليه الصلاة والسلام في سلك النقلِ فإما للاعتناء بأمرِها أو لعدم مناسبتها للمقام فيها من ذكر مُقاساتِه عليه الصلاة والسلام للشدائد ومعاناتِه للمكايد، والمرادُ بالإحساس الإدراكُ القويُّ الجاري مَجرَى المشاهدةِ، وبالكفر إصرارُهم عليه وعتوُّهم ومكابرتُهم فيه مع العزيمة على قتله عليه الصلاة والسلام كما ينبىء عنه الإحساسُ فإنه إنما يُستعمل في أمثال هذه المواقعِ عند كونِ مُتعلّقِه أمراً محذوراً مكروهاً كما في قوله عز وجل:فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ } [الأنبياء، الآية 12] وكلمةُ مِنْ متعلقةٌ بأحسّ والضميرُ المجرورُ لبني إسرائيلَ أي ابتدأ الإحساسَ من جهتهم، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على المفعول الصريحِ لما مر غيرَ مرةٍ من الاعتناء بالمقدَّم والتشويقِ إلى المؤخَّر، وقيل: متعلقةٌ بمحذوف وقعَ حالاً من الكفر { قَالَ } أي لِخُلّصِ أصحابِه لا لجميعِ بني إسرائيلَ لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3