الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

{ رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } حكايةٌ لدعاءٍ آخرَ لهم مسبوقٍ بما قبله معطوفٍ عليه لتأخّر التحليةِ عن التخلية، وتكريرُ النداء لما مر مكرراً، والمرادُ بالموعود الثوابُ و { عَلَىٰ } إما متعلقةٌ بالوعد كما في قولك: وعد الله الجنةَ على الطاعة أي وعدتَنا على تصديق رسلِك، أو بمحذوف وقع صفةً لمصدر مؤكدٍ محذوفٍ أي وعدتنا وعداً كائناً على ألسنة رسلِك، وقيل: التقديرُ منزلاً على رسلك أو محمولاً على رسلك، ولا يخفى أن تقديرَ الأفعالِ الخاصةِ في مثل هذه المواقعِ تعسفٌ، وجمعُ الرسلِ مع أن المناديَ هو الرسولُ صلى الله عليه وسلم وحده لما أن دعوتَه عليه السلام لا سيما في باب التوحيدِ وما أجمع عليه الكلُّ من الشرائع منطويةٌ على دعوة الكلِّ فتصديقُه تصديقٌ لهم عليهم السلام، كيف لا وقد أخذ منهم الميثاقَ بالإيمان به عليه السلام لقوله تعالى:وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ } [آل عمران، الآية 81] الآية، وكذا الموعودُ على لسانه من الثواب موعودٌ على ألسنة الكلِّ، وإيثارُ الجمعِ لإظهار كمالِ الثقةِ بإنجاز الموجودِ بناءً على كثرة الشهود.

{ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قصَدوا بذلك تذكيرَ وعدِه تعالى بقوله:يَوْمٌ لاَّ يخزِى الله النَّبىّ والَّذِينَ آمنُوا مَعَهُ } [التحريم، الآية 8] مُظْهرين أنهم ممن آمن معه رجاءً للانتظام في سلكهم يومئذ، وقوله تعالى: { إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } تعليلٌ لتحقيق ما نَظَموا في سلك الدعاءِ، وهذه الدعواتُ وما في تضاعيفها من كمالِ الضراعةِ والابتهالِ ليست لخوفهم من إخلاف الميعادِ بل لخوفهم من ألا يكونوا من جملة الموجودين بتغير الحالِ وسوءِ الخاتمةِ والمآلِ، فمرجِعُها إلى الدعاء بالتثبـيت، أو للمبالغة في التعبُّد والخشوعِ. والميعادُ الوعدُ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه البعثُ بعد الموت وفي الآثار عن جعفر الصادق: من حزَ به أمرٌ فقال ربنا خمسَ مراتٍ أنجاه اللَّهُ مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية.