الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ } بـيانٌ لحال البخلِ ووخامةِ عاقبتِه وتخطئةٌ لأهله في توهم خِيرتِه حسَبَ بـيانِ حالِ الإملاءِ، وإيرادُ ما بخِلوا به، بعنوان إيتاءِ الله تعالى إياه من فضله، للمبالغة في بـيان سوءِ صنيعِهم فإن ذلك من موجبات بَذلِه في سبـيله كما في قوله تعالى:وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } [الحديد، الآية 7] والفعلُ مسندٌ إلى الموصول، والمفعولُ الأولُ محذوفٌ لدِلالة الصلةِ عليه، وضميرُ الفصل راجعٌ إليه أي لا يحسَبن الباخلون بما آتاهم الله من فضله من غير أن يكون لهم مَدخلٌ فيه أو استحقاقٌ له هو خيراً لهم من إنفاقه، وقيل: الفعلُ مسندٌ إلى ضمير النبـي صلى الله عليه وسلم أو إلى ضمير من يحسَبُ، والمفعولُ الأولُ هو الموصولُ بتقدير مضافٍ، والثاني ما ذُكر كما هو كذلك على قراءة الخِطاب أي ولا تحسبن بخلَ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم { بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } التنصيصُ على شرِّيته لهم مع إدراكها من نفي خيريّتِه للمبالغة في ذلك، والتنوينُ للتفخيم، وقوله تعالى: { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } بـيانٌ لكيفية شرِّيته أي سيلزَمون وبالَ ما بخِلوا به من الزكاة حيةً في عنقه تنهشُه من قَرنه إلى قدمه وتنقُر رأسَه وتقول: أنا مالُك.

{ وَللَّهِ } وحده لا لأحد غيرِه استقلالاً أو اشتراكاً { مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي ما يتوارثه أهلُهما من مال وغيرِه من الرسالات التي يتوارثها أهلُ السمواتِ والأرض فما لهم يبخلون عليه بمُلكه ولا يُنفقونه في سبـيله؟ أو أنه يرث منهم ما يُمسِكونه ولا ينفقونه في سبـيله تعالى عند هلاكِهم وتدوم عليهم الحسرةُ والندامة { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من المنع والبخلِ { خَبِيرٌ } فيجازيكم على ذلك. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موضع الإضمارِ لتربـية المهابةِ، والالتفاتُ للمبالغة في الوعيد، والإشعارِ باشتداد غضبِ الرحمٰنِ الناشىءِ من ذكر قبائحِهم، وقرىء بالياء على الظاهر.