الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }

{ الَّذِينَ قَالُواْ } مرفوعٌ على أنه بدلٌ من واو يكتُمون أو خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، وقيل: مبتدأ خبرُه (قل فادرؤا) بحذف العائدِ تقديرُه { قُلْ لَهُمْ } الخ، أو منصوبٌ على الذم أو على أنه نعتٌ للذين نافقوا أو بدلٌ منه، وقيل: مجرورٌ على أنه بدلٌ من ضمير أفواهِهم أو قلوبِهم كما في قوله: [الطويل]
على جودِه لضن بالماء حاتمُ   
والمرادُ بهم عبدُ اللَّه بنُ أُبـيّ وأصحابُه { لإِخْوٰنِهِمْ } أي لأجلهم وهم من قُتل يومَ أحدٍ من جنسهم أو من أقاربهم فيندرج فيهم بعضُ الشهداءِ { وَقَعَدُواْ } حال من ضمير قالوا بتقدير قد، أي قالوا: وقد قعدوا عن القتال بالانخذال { لَوْ أَطَاعُونَا } أي فيما أمرناهم به ووافقونا في ذلك { مَا قُتِلُوا } كما لم نُقتلْ، وفيه إيذانٌ بأنهم أمروهم بالانخذال حين انخذلوا وأغْوَوْهم كما غَوَوْا، وحملُ القعودِ على ما استصوبه ابنُ أُبـيّ عند المشاورةِ من الإقامة بالمدينة ابتداءً، وجعلُ الإطاعةِ عبارةً عن قبول رأيِه والعملِ به يرُده كونُ الجملةِ حاليةً فإنها لتعيـين ما فيه العصيانُ والمخالفةُ مع أن ابنَ أبـيَ ليس من القاعدين فيها بذلك المعنى، على أن تخصيصَ عدمِ الطاعةِ بإخوانهم ينادي باختصاص الأمرِ أيضاً، بهم فيستحيل أن يُحمَلَ على ما خوطب به النبـيُّ صلى الله عليه وسلم عند المشاورة { قُلْ } تبكيتاً لهم وإظهاراً لكذبهم { فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ } جوابٌ لشرط قد حُذف تعويلاً على ما بعده من قوله تعالى: { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } كما أنه شرطٌ حُذف جوابُه لدِلالة الجوابِ المذكورِ عليه أي أن كنتم صادقين فيما يُنبىء عنه قولُكم من أنكم قادرون على دفع القتلِ عمن كُتب عليه فادفعوا عن أنفسكم الموتَ الذي كُتب عليكم مُعلَّقاً بسبب خاصٍّ موقتاً بوقت معيّنٍ بدفع سببِه، فإن أسبابَ الموتِ في إمكان المدافعةِ بالحال وامتناعِها سواءٌ، وأنفسُكم أعزُّ عليكم من إخوانكم وأمرُها أهمُّ لديكم من أمرهم، والمعنى أن عدمَ قتلِكم كان بسبب أنه لم يكن مكتوباً عليكم لا بسبب أنكم دفعتموه بالقُعود مع كتابته عليكم فإن ذلك مما لا سبـيلَ إليه، بل قد يكون القتالُ سبباً للنجاة والقعود مؤدياً إلى الموت. رُوي أنه مات يوم قالوا سبعون منافقاً، وقيل: أريد { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } [آل عمران، الآية: 168] في مضمون الشرطية، والمعنى أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقُتلوا قاعدين كما قُتلوا مقاتِلين فقوله تعالى: { فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ } [آل عمران، الآية: 168] حينئذ استهزاءٌ بهم، أي إن كنتم رجالاً دفّاعين لأسباب الموتِ فادرؤا جميعَ أسبابِه حتى لا تموتوا كما درأتم في زعمكم هذا السببَ الخاصَّ.

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً } كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبـيان أن القتلَ الذي يَحذَرونه ويُحذّرون الناسَ منه ليس مما يُحذر بل هو من أجل المطالبِ التي يتنافسُ فيها المتنافسون إثرَ بـيانِ أن الحذرَ لا يُجدي ولا يغني.

السابقالتالي
2