الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَٰكُمْ فَأَثَـٰبَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ إِذْ تُصْعِدُونَ } متعلق بصَرَفكم أو بقوله تعالى:لِيَبْتَلِيَكُمْ } [آل عمران، الآية: 152] أو بمقدّر كما ذكروا. والإصعادُ الذهابُ والإبعادُ في الأرض، وقرىء بثلاثي أي في الجبل، وقرىء تَصَعَّدون من التفعل بطرح إحدى التاءين وقرىء تصعدون من يصعدون بالالتفات إلى الغيبة { وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ } أي لا تلتفتون إلى ما وراءكم ولا يقف واحدٌ منكم لواحد، وقرىء تلْوُنَ بواو واحدة بقلب الواوِ المضمومةِ همزةً وحذفِها تخفيفاً، وقرىء يلوون كيصعدون { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } كان عليه الصلاة والسلام يدعوهم: " إليَّ عبادَ الله أنا رسولُ الله من يكُرُّ فله الجنةُ " وإيرادُه عليه السلام بعنوان الرسالة للإيذان بأن دعوتَه عليه السلام كانت بطريق الرسالةِ من جهته سبحانه إشباعاً في توبـيخ المنهزمين { فِى أُخْرَاكُمْ } في ساقتكم وجماعتِكم الأخرى { فَأَثَـٰبَكُمْ } عطفٌ على صرفَكم أي فجازاكم الله تعالى بما صنعتم { غَمّاً } موصولاً { بِغَمّ } من الاغتمام بالقتل والجرْحِ وظَفَرِ المشركين والإرجافِ بقتل الرسولِ صلى الله عليه وسلم وفوْتِ الغنيمة، فالتنكيرُ للتكثير أو غماً بمقابلة غمٍّ أذَقْتموه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعِصيانكم له { لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَـٰبَكُمْ } أي لتتمرَّنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزَنوا على نفعٍ فاتَ أو ضُرٍّ آتٍ، وقيل: لا زائدة والمعنى لتتأسفوا على ما فاتكم من الظفَر والغنيمةِ وعلى ما أصابكم من الجراح والهزيمةِ عقوبةً لكم. وقيل: الضميرُ في أثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم أي واساكم في الاغتنام فاغتمّ بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه، ولم يُثرِّبْكم على عِصيانكم تسليةً لكم وتنفيساً لكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر وما أصابكم من الجراح وغيرِ ذلك { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي عالمٌ بأعمالكم وبما أردتم بها.

{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ } عطفٌ على قوله تعالى: { فَأَثَـٰبَكُمْ } [آل عمران، الآية: 153]، والخطابُ للمؤمنين حقاً { مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ } أي الغمِّ المذكور، والتصريحُ بتأخُّر الإنزالِ عنه مع دَلالة { ثُمَّ } عليه وعلى تراخيه عنه لزيادة البـيانِ وتذكيرِ عِظَم النعمةِ كما في قوله تعالى:ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ } [النحل، الآية 119] الآية، { ءامِنَةً } أي أمناً نُصب على المفعولية، وقوله تعالى: { نُّعَاساً } بدلٌ منها أو عطفُ بـيانٍ وقيل: مفعولٌ له أو هو المفعول وأمنةً حالٌ منه متقدمةٌ عليه أو مفعول له حالٌ من المخاطبـين على تقدير مضافٍ أي ذو أمنةٍ أو على أنه جمعُ آمن كبارّ وبرَرَة وقرىء بسكون الميم كأنها مرّةٌ من الأمنِ، وتقديمُ الظرفين على المفعول الصريحِ لِمَا مر غيرَ مرةٍ من الاعتناء بشأن المقدّمِ والتشويقِ إلى المؤخر، وتخصيصُ الخوفِ من بـين فنونِ الغمِّ بالإزالة لأنه المهمُّ عندهم حينئذ لما أن المشركين لما انصرفوا كانوا يتوّعدون المسلمين بالرجوع فلم يأمنوا كرَّتَهم وكانوا تحت الحَجَفِ متأهّبـين للقتال فأنزل الله تعالى عليهم الأمنةَ فأخذهم النعاسُ.

السابقالتالي
2 3 4