الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } إضرابٌ عما يُفهم من مضمون الشرطيةِ كأنه قيل: فليسوا أنصارَكم حتى تطيعوهم بل الله ناصرُكم لا غيرُه فأطيعوه واستعينوا به عن موالاتهم، وقرىء بالنصب كأنه قيل: فلا تطيعوهم بل أطيعوا الله و { مَوْلَـٰكُمْ } نُصب على أنه صفةٌ له { وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّـٰصِرِينَ } فخُصّوه بالطاعة والاستعانة { سَنُلْقِى } بنون العظمةِ على طريقة الالتفاتِ جرياً على سَنن الكبرياءِ لتقوية المهابةِ، وقرىء بالياء والسين لتأكيد الإلقاءِ { فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } بسكون العين وقرىء بضمها على الأصل وهو ما قُذف في قلوبهم من الخوف يوم أحُد حتى تركوا القتالَ ورجعوا من غير سببٍ، ولهم القوةُ والغلبة، وقيل: ذهبوا إلى مكةَ فلما كانوا ببعض الطريقِ قالوا: ما صنعنا شيئاً قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون ارجِعوا فاستأصِلوهم فعند ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرُّعْبَ فأمسكوا. فلا بد من كون نزولِ الآيةِ في تضاعيف الحربِ أو عَقيب انقضائِها، وقيل: هو ما أُلقيَ في قلوبهم من الرعب يومَ الأحزاب { بِمَا أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ } متعلقٌ بنُلقي دون الرعب، وما مصدرية أي بسبب إشراكِهم به تعالى فإنه من موجبات خِذْلانِهم ونصرِ المؤمنين عليهم، وكلاهما من دواعي الرعب { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ } أي بإشراكه { سُلْطَـٰناً } أي حجةً سمِّيت به لوضوحها وإنارتها أو لقوّتها أو لحِدّتها ونفوذِها، وذكرُ عدمِ تنزيلِها مع استحالة تحققِها في نفسها من قبـيل قوله: [السريع]
[لا تُفزِعِ الأرنب أهوالُها]   ولا ترَى الضبَّ بها ينجحِرُ
أي لا ضبَّ ولا انجحارَ، وفيه إيذانٌ بأن المتَّبعَ في الباب هو البرهانُ السماويُّ دون الآراءِ والأهواءِ الباطلة.

{ وَمَأْوَاهُمُ } بـيانٌ لأحوالهم في الآخرة إثرَ بـيانِ أحوالِهم في الدنيا وهي الرعبُ أي ما يأوون إليه في الآخرة { ٱلنَّارُ } لا ملجأَ لهم غيرَها { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي مثواهم وإنما وُضع موضعَه المظهرُ المذكورُ للتغليظ والتعليلِ والإشعارِ بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعِه، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي بئس مثوى الظالمين النارُ وفي جعلها مثواهم بعد جعلِها مأواهم نوعُ رمزٍ إلى خلودهم فيها فإن المثوى مكانُ الإقامةِ المنبئة عن المُكثْ وأما المأوى فهو المكانُ الذي يأوي إليه الإنسان { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } نُصب على أنه مفعولٌ ثانٍ لصَدَق صريحاً، وقيل: بنزع الجارِّ أي في وعده نزلت حين قال ناسٌ من المؤمنين عند رجوعِهم إلى المدينة: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله تعالى بالنصر؟ وهو ما وعدهم على لسان نبـيِّه عليه السلامُ من النصر حيث قال للرماة: " لا تبرَحوا مكانَكم فلن نزال غالبـين ما ثبتُّم مكانَكم " وفي رواية أخرى: " لا تبرَحوا عن هذا المكانِ فإنا لا نزال غالبـين ما دمتم في هذا المكان "

السابقالتالي
2