الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

{ قَدْ كَانَ لَكُمْ } جوابُ قسمٍ محذوفٍ وهو من تمام القول المأمور به جيء به لتقرير مضمونِ ما قبله وتحقيقِه، والخطابُ لليهود أيضاً والظرف خبر كان على أنها ناقصة ولتوسطه بـينها وبـين اسمها تُرك التأنيث كما في قوله: [البسيط]
إن أمراً غرّه منكن واحدةٌ   بعدي وبعدك في الدنيا لمغرورُ
على أن التأنيث هٰهنا غير حقيقي أو هو متعلق بكان على أنها تامة وإنما قدم على فاعلها لما مر مراراً من الاعتناء بما قُدّم والتشويق إلى ما أُخِّر أي والله قد كان لكم أيها المغترون بعددهم وعُدَدهم { ءَايَةٌ } عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم إنكم ستُغلبون { فِي فِئَتَيْنِ } أي فرقتين أو جماعتين فإن المغلوبة منهما كانت مدلة بكثرتها معجبة بعزتها وقد لقِيَها ما لقيها فسيصيبُكم ما يصيبكم، ومحلُ الظرف الرفعُ على أنه صفة لآيةٌ وقيل: النصب على خبرية كان والظرف الأول متعلق بمحذوف من آية { ٱلْتَقَتَا } في حيز الجر على أنه صفة فئتين أي تلاقتا بالقتال يوم بدر { فِئَةٌ } بالرفع خبرُ مبتدإٍ محذوف أي إحداهما فئة كما في قوله: [الطويل]
إذا متّ كان الناسُ حزبـين: شامتٌ   وآخَرُ مُثنٍ بالذي كنت أصنعُ
أي أحدهما شامت والآخر مثنٍ وقولِه:
حتى إذا ما استقلّ النجمُ في غلَسٍ   وغودر البقلُ ملويٌّ ومحصودُ
والجملة مع ما عطف عليها مستأنفةٌ لتقرير ما في الفئتين من الآية وقوله تعالى: { تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } في محل الرفع على أنه صفةُ { فِئَةٌ } كأنه قيل: فئة مؤمنة ولكن ذُكر مكانه من أحكام الإيمان ما يليقُ بالمقام مدحاً لهم واعتداداً بقتالهم وإيذاناً بأنه المدارُ في تحقق الآية وهي رؤية القليل كثيراً وقرىء يقاتل على تأويل الفئة بالقوم أو الفريق { وَأُخْرَىٰ } نعت لمبتدأ محذوف معطوف على ما حذف من الجملة الأولى أي وفئة أخرى وإنما نكرت والقياس تعريفها كقرينتها لوضوح أن التفريق لنفس المثنى المقدم ذكره وعدم الحاجة إلى التعريف وقوله تعالى: { كَافِرَةٌ } خبرُ المبتدأ المحذوف وإنما لم توصف هذه الفئة بما يقابل صفة الفئة الأولى إسقاطاً لقتالهم عن درجة الاعتبار وإيذاناً بأنهم لم يتصدَّوْا للقتال لما اعتراهم من الرعب والهيبة وقيل: كلٌّ من المتعاطِفَين بدل من الضمير في { ٱلْتَقَتَا } وما بعدهما صفة فلا بد من ضمير محذوفٍ عائدٍ إلى المبدل منه مسوِّغٍ لوصف البدل بالجملة العارية عن ضميره أي فئةٌ منهما تقاتل الخ وفئة أخرى كافرة، ويجوز أن يكون كلٌّ منهما مبتدأً وما بعدهما خبراً، وقيل: كل منهما مبتدأ محذوف الخبر أي منمهما فئة تقاتل الخ وقرىء فئةٍ بالجر على البدلية من فئتين بدلَ بعض من كل وقد مر أنه لا بد من ضمير عائد إلى المبدل منه ويسمى بدلاً تفصيلياً كما في قول كثير عزة: [الطويل]

السابقالتالي
2 3