الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

{ إِذْ هَمَّتْ } بدلٌ من إذ غدوت مبـينٌ لما هو المقصودُ بالتذكير أو ظرفٌ لسميعٌ عليمٌ، على معنى أنه تعالى جامعٌ بـين سماعِ الأقوالِ والعلمِ بالضمائر في ذلك الوقتِ إذ لا وجهَ لتقيـيد كونِه تعالى سميعاً عليماً بذلك الوقت. قال الفراءُ: معنى قولِك: ضربتُ وأكرمتُ زيداً أن زيداً منصوبٌ بهما وأنهما تسلّطا عليه معاً. { طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } متعلقٌ بهمَّتْ والباءُ محذوفةٌ أي بأن تفشَلا أي تجبُنا وتضعُفا وهما حيانِ من الأنصار بنو سلمةَ من الخزرج وبنو حارثةَ من الأوس، وهما الجناحانِ من عسكر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا ألفَ رجل وقيل: تسعَمائةٍ وخمسين وَعَدهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفتحَ إن صبَروا فلما قاربوا عسكرَ الكفرةِ وكانوا ثلاثةَ آلافٍ انخذل عبدُ اللَّه بنُ أبـيَ بثلث الناسِ فقال: يا قومُ علامَ نَقتُل أنفسَنا وأولادَنا فتبِعَهم عمروُ بنُ حزم الأنصاري فقال: أنشُدكم الله في نبـيكم وأنفسِكم، فقال عبدُ اللَّه: لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم فهمّ الحيانِ باتِّباع عبدِ اللَّه فعصمَهم الله تعالى فمضَوْا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أضمَروا أن يرجِعوا فعزم الله لهم على الرشد فثبَتوا والظاهرُ أنها ما كانت إلا همَّةً وحديثَ نفس قلما تخلو النفسُ عنه عند الشدائدِ { وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا } أي عاصِمُهما عن اتباع تلكِ الخَطرةِ، والجملةُ اعتراضٌ ويجوز أن تكون حالاً من فاعل همَّتْ أو من ضميره في تفشلا مفيدةٌ لاستبعاد فشلِهما أو همِّهما به مع كونهما في ولاية الله تعالى، وقرىء والله وليُّهم كما في قوله تعالى:وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [الحجرات، الآية 9] { وَعَلَى ٱللَّهِ } وحده دون ما عداه مطلقاً استقلالاً أو اشتراكاً { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } في جميع أمورِهم فإنه حسبُهم. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ للتبرك والتأميل فإن الألوهيةَ من موجبات التوكلِ عليه تعالى، واللامُ في المؤمنين للجنس فيدخلُ فيه الطائفتان دخولاً أولياً، وفيه إشعارٌ بأن وصفَ الإيمان من دواعي التوكلِ وموجباتِه.