الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } استفهامٌ إنكاريٌّ بمعنى إنكارِ الوقوعِ كما في قوله تعالى:كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ } [التوبة، الآية 7] الخ لا بمعنى إنكار الواقعِ كما في قوله تعالى:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا } [البقرة، الآية 28] الخ وفي توجيه الإنكارِ والاستبعادِ إلى كيفية الكفرِ من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال: أتكفرون؟ لأن كلَّ موجودٍ لا بد أن يكون وجودُه على حال من الأحوال فإذا أُنكِرَ ونُفيَ جميعُ أحوالِ وجودِه فقد انتفى وجودُه بالكلية على الطريق البرهاني وقوله تعالى: { وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيات الله } جملةٌ وقعتْ حالاً من ضمير المخاطَبـين في تكفُرون مؤكِّدةٌ للإنكار والاستبعادِ بما فيها من الشؤون الداعيةِ إلى الثبات على الإيمان، الرادعةِ عن الكفر، وقوله تعالى: { وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } معطوفٌ عليها داخلٌ في حكمها فإن تلاوةَ آياتِ الله تعالى عليهم وكونَ رسولِه عليه الصلاة والسلام بـين أظهُرِهم يعلِّمهم الكتابَ والحِكمةَ ويزكِّيهم بتحقيق الحقِّ وإزاحةِ الشُّبَهِ من أقوى الزواجر عن الكفر، وعدمُ إسنادِ التلاوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإيذان باستقلالِ كلٍّ منهما في الباب.

{ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ } أي ومن يتمسَّكْ بدينه الحقِّ الذي بـيَّنه على لسان رسولِه عليه الصلاة والسلام وهو الإسلامُ والتوحيدُ المعبَّرُ عنه فيما سبق بسبـيل الله { فَقَدْ هُدِىَ } جوابٌ للشرط وقد لإفادة معنى التحقيقِ كأن الهدى قد حصل فهو يُخْبَر عنه حاصلاً، ومعنى التوقُّع فيه ظاهرٌ فإن المعتصم به تعالى متوقع للهدى كما أن قاصدَ الكريم متوقّعٌ للندى { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } موصلٍ إلى المطلوب، والتنوينُ للتفخيم، والوصفُ بالاستقامة للتصريح بالرد على الذين يبغون له عوجاً، وهذا وإن كان هو دينَه الحقَّ في الحقيقة والاهتداءُ إليه هو الاعتصامُ به بعينه لكن لمّا اختلف الاعتبارانِ وكان العنوانُ الأخيرُ مما يتنافس فيه المتنافسون أُبرز في معرِض الجوابِ للحثّ والترغيب، على طريقة قولِه تعالى:فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [آل عمران، الآية 185].

{ يا أيها الذين آمنوا } تكريرُ الخطابِ بعنوان الإيمانِ تشريفٌ إثرَ تشريفٍ { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } الاتقاءُ افتعالٌ من الوقاية وهي فرْطُ الصيانة { حَقَّ تُقَاتِهِ } أي حقَّ تقواه وما يجب منها وهو استفراغُ الوُسعِ في القيام بالموَاجب والاجتنابِ عن المحارم كما في قوله تعالى:فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [التغابن، الآية 16] وعن ابن مسعود رضي الله عنه: «هو أن يُطاعَ ولا يُعصىٰ ويُذكرَ ولا يُنْسَى ويُشكَرَ ولا يُكْفَرَ» وقد روي مرفوعاً إليه عليه السلام. وقيل: هو أن لا تأخُذَه في الله لومةُ لائمٍ ويقومَ بالقسط ولو على نفسه أو ابنِه أو أبـيه. وقيل: وهو أن يُنزِّهَ الطاعةَ عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاةِ، وقد مر تحقيقُ الحقِّ في ذلك عند قوله عز وجل:

السابقالتالي
2