الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ } * { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }

{ وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا } المذكورينَ بعد مفارقتِهم لإبراهيمَ عليه السَّلامُ { لُوطاً سِيء بِهِمْ } اعتراهُ المساءةُ بسببهم مخافةَ أنْ يتعرَّض لهم قومُه بسوءٍ. وكلمةُ أنْ صلةٌ لتأكيدِ ما بـين الفعلينِ من الاتِّصالِ { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } أي ضاقَ بشأنِهم وتدبـير أمِرهم ذرعُه أي طاقتُه كقولِهم ضاقتْ يدُه وبإزائِه رَحُبَ ذَرْعُه بكذا إذا كان مُطبقاً به قادراً عليه وذلك أنَّ طويلَ الذِّراعِ ينالُ ما لا يناله قصير الذِّراع.

{ وَقَالُواْ } ريثما شاهدوا فيه مخايلَ التَّضجرِ من جهتهم وعاينُوا أنَّه قد عجزَ عن مُدافعةِ قومِه بعد اللَّتيا والتِّي حتى آلتْ به الحالُ إلى أنْ قالَ:لو أنَّ لي بكم قوةً أو آوي إلى رُكنٍ شديدٍ } [سورة هود: الآية 80] { لاَ تَخَفْ } أي من قومِك علينا { وَلاَ تَحْزَنْ } أي على شيءٍ وقيل بإهلاكِنا إيَّاهم { إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } ممَّا يُصيبهم من العذابِ { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرينَ } وقُرىء لننجينَّك ومنجُّوك من الإنجاءِ، وإيَّا ما كان فمحلُّ الكافِ الجرُّ على المختارِ ونصب أهلكَ بإضمار فعلٍ أو بالعطفِ على محلِّها باعتبارِ الأصلِ { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مّنَ ٱلسَّمَاء } استئنافٌ مسُوقٌ لبـيانِ ما أشير إليه بوعدِ التَّنجيةِ من نزول العذابِ عليهم. والرِّجزُ العذابُ الذي يُقلقُ المعذَّبَ أي يُزعجُه من قولِهم ارتجزَ إذا ارتجسَ واضطربَ. وقُرىء مُنزِّلون بالتَّشديدِ. { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } بسببِ فسقِهم المستمرِّ { وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا } أي من القريةِ { آيَةً بَيّنَةً } هي قصَّتُها العجيبةُ آثارُ ديارها الخربةِ وقيل: الحجارةُ المطمُورة فإنَّها كانتْ باقيةً بعدها وقيل: الماءُ الأسودُ على وجهِ الأرضِ { لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولَهم في الاستبصارِ والاعتبارِ وهو متعلقٌ إما بتركنَا أو ببـينةً { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَـٰهُمْ شُعَيْباً } متعلق بمضمن معطوفٍ على أرسلنا في قصَّة نوحٍ عليه السَّلام أي وأرسلنا إلى مدينَ شُعيباً { فَقَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحدَه { وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } أي توقَّعوه وما سيقعُ فيه من فُنون الأهوالِ وافعلُوا اليوم من الأعمالِ ما تأمنون غائلتَهُ وقيل: وارجُوا ثوابَه بطريقِ إقامةِ المسبَّبِ مقامَ السَّببِ وقيل: الرَّجاءُ بمعنى الخوفِ { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي الزَّلزلةُ الشَّديدةُ وفي سورة هود وأخذتِ الذين ظلمُوا الصَّيحةُ أي صيحةُ جبريلَ عليه السَّلام فإنَّها المُوجِبة للرَّجفة بسبب تمويجِها للهواءِ وما يُجاورها من الأرض { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ } أي بلدِهم أو منازِلهم والإفرادُ لأمنِ اللَّبسِ { جَـٰثِمِينَ } باركينَ على الرُّكبِ ميِّتينَ.