الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } * { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ }

{ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ } وتتعرَّضُون للسَّابلةِ أي بالفاحشةِ، حيثُ رُوي أنَّهم كانُوا كثيراً ما يفعلونَها بالغُرباء وقيل تقطعون سبـيلَ النِّساءِ بالإعراضِ عن الحَرثِ وإتيانِ ما ليس بحرثٍ وقيل: تقطعونَ السَّبـيلَ بالقتلِ وأخذِ المالِ { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ } أي تفعلون في مجلسِكم الجامعِ لأصحابكم { ٱلْمُنْكَرَ } كالجماعِ والضُّراطِ وحلِّ الإزارِ وغيرِها مما لا خيرَ فيه من الأفاعيل المنكرةِ. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما هو الحَذفُ بالحَصَى والرَّميُّ بالبنادق والفرقعةُ ومضغُ العلكِ والسِّواكِ بـينَ النَّاس وحلُ الإزارِ والسِّبابُ والفُحشُ في المِزاحِ، وقيل: السُّخريةُ بمن مرَّ بهم، وقيل المجاهرةُ في ناديهم بذلكَ العملِ. { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } أي فما كان جواباً من جهتِهم شيءٌ من الأشياءِ إلا هذه الكمةُ الشَّنيعةُ أي لم يصدر عنهم في هذه المرَّةِ من مرَّاتِ مواعظ لوطٍ عليه السَّلام وقد كان أوعدهم فيها بالعذابِ وأمَّا ما في سُورة الأعراف [الآية 82] من قولِه تعالى:وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ } [سورة الأعراف: الآية 82] الآيةَ وما في سورة النَّمل من قولِه تعالى:فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ } [سورة النمل: الآية 56] الآيةَ فهو الذي صَدر عنهم بعده هذه المرةُ وهي المرَّةُ الأخيرةُ من مرَّات المُقاولاتِ الجاريةِ بـينهم وبـينه عليه الصَّلاة والسَّلام وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ الأعرافِ.

{ قَالَ رَبّ ٱنصُرْنِى } أي بإنزالِ العذابِ الموعودِ { عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ } بابتداعِ الفاحشةِ وسنِّها فيمن بعدَهُم والإصرارِ عليها واستعجالِ العذابِ بطريقِ الاستهزاءِ وإنما وصفَهم بذلك مبالغةً في استنزالِ العذابِ عليهم { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرٰهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ } أي بالبشارةِ بالولدِ والنافلة { قَالُواْ } أي لإبراهيمَ عليه السَّلامُ في تضاعيفِ الكلامِ حسبما فُصِّل في سورة هود [الآية 69, وما بعدها] وسورة الحجر [الآية 67] { إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } أي قريةِ سَدُومَ. والإضافةُ لفظيةٌ لأنَّ المَعنى على الاستقبالِ { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } تعليلٌ للإهلاكِ بإصرارِهم على الظُّلم وتمادِيهم في فُنون الفسادِ وأنواعِ المَعَاصي { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً } فكيف تُهلكونها { قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أرادُوا أنَّهم غيرُ غافلينَ عن مكانِ لوطٍ عليه السَّلام فيها بل عمَّن لم يتعرض له إبراهيمُ عليه السَّلامُ من أتباعِه المؤمنينَ وأنَّهم معتنُون بشأنهم أتَّم اعتناءٍ حسبما يُنبـيء عنه تصديرُ الوعد بالتَّنجيةِ بالقسمِ أيْ والله لننجينَّه وأهلَه { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } أي الباقينَ في العذابِ أو القريةِ.