الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

{ فَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } أي صدَّقه في جميع مقالاتِه لا في نُبُّوتِه وما دعا إليه من التَّوحيدِ فقط فإنَّه كان منزَّهاً عن الكُفر. وما قيل إنَّه آمنَ له حين رَأى النَّارَ لم تحرقْهُ ينبغي أنْ يُحملَ على ذكرنا أو على أنْ يُرادَ بالإيمانِ الرُّتبةَ العاليةَ منه وهي التي لا يرتقِي إليها إلاَّ همم الأفرادِ الكُمَّل. ولوطُ هو ابنُ أخيهِ عليهما السَّلامُ. { وَقَالَ إِنّى مُهَاجِرٌ } أي من قومِي { إِلَىٰ رَبّى } إلى حيثُ أمرني ربِّـي { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالبُ على أمرِه فيمنعني من أعدائِي { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يفعلُ فعلاً إلاَّ وفيه حكمةٌ ومصلحةٌ فلا يأمرني إلا بما فيه خلاصي. رُوي أنَّه هاجر من كُوثَى سوادِ الكُوفةِ مع لوطَ وسارَّة ابنة عمِّه إلى حرَّانَ ثمَّ منها إلى الشأمِ فنزلَ فلسطينَ ونزل لوطُ سَدُومَ { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } ولداً ونافلةً حين أيسَ من عجوزٍ عاقرٍ { وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ } فكثُر منهم الأنبـياءُ { وَٱلْكِتَـٰبَ } أي جنسَ الكتابِ المتناولِ للكتبِ الأربعةِ { وآتيناه أجره } بمقابلة هجرتِه إلينا { فِى ٱلدُّنْيَا } بإعطاءِ الولد والذُّرية الطيبةِ واستمرار النُّبوة فهيم وانتماءِ أهل المللِ إليه والثناء والصَّلاة عليه إلى آخرِ الدَّهر { وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } أي الكاملينَ في الصَّلاح { وَلُوطاً } منصوبٌ إمَّا بالعطفِ على نوحاً أو على إبراهيمَ والكلامُ في قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } كالذي مرَّ في قصَّة إبراهيمَ عليه السَّلام { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } أي الفعلةَ المُتناهيةَ في القُبح. وقُرىء أَئِنَّكم { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن ٱلْعَـٰلَمِينَ } استئنافٌ مقررٌ لكمالِ قُبحها، فإنَّ إجماعَ جميع أفرادِ العالمينَ على التَّحاشي عنها ليس إلا لكونِها مما تشمئزُّ منه الطِّباع وتنفرُ منه النُّفوسُ.