الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ } أي في شأنِه تعالى بأنْ عذَّبهم الكفرةُ على الإيمان { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ } أي ما يصيبُه من أذيتَّهم { كَعَذَابِ ٱللَّهِ } في الشدَّة والهولِ فيرتدَّ عن الدِّين مع أنَّه لا قدرَ لها عند نفحةٍ من عذابِ تعالى أصلاً. { وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ } أي فتحٌ وغنيمةٌ { لَّيَقُولَنَّ } بضمِّ اللامِ نظراً إلى معنى مَن كما أنَّ الإفراد فيما سبق بالنَّظرِ إلى لفظها. وقُرىء بالفتحِ { إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } أي مشايعينَ لكم في الدِّينِ فاشركونا في المغنمِ وهم ناسٌ من ضَعَفةِ المُسلمين كانُوا إذا مسَّهم أذى من الكفَّارِ وافقُوهم وكانُوا يكتمونَهُ من المسلمينَ فردَّ عليهم ذلك بقولِه تعالى: { أَوَلَـيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي بأعلم منهم بما في صدورهم من الإخلاصِ والنِّفاقِ حتَّى يفعلون من الارتدادِ والاخفاءِ عن المسلمين وإدِّعاءِ كونِهم منهم لنيلِ الغنيمةِ. وهذا هو الأوفقُ لما سبقَ ولما لحقَ من قوله تعالى: { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي بالإخلاصِ { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } سواء كان كفرُهم بأذية الكفرة أوْ لاَ أي ليجزينَّهم بما لهم من الإيمان والنِّفاقِ { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } بـيانٌ لحملهم للمؤمنين على الكفرِ بالاستمالةِ بعد حملِهم لهم عليه بالأذيَّةِ والوعيدِ. ووصفُهم بالكفرِ هَهُنا دونَ ما سبق لما أنَّ مساقَ الكلامِ لبـيان جنايتِهم وفيما سبق لبـيانِ جنايةِ من أضلُّوه. واللامُ للتَّبليغِ أي قالُوا مخاطبـينَ لهم { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا } أي اسلكُوا طريقنَا التي نسلكُها في الدِّينِ، عبَّر عن ذلكَ بالاتباعِ الذي هو المشيُ خلفَ ماشٍ آخرَ تنزيلاً للمسلك منزلةَ السَّالكِ فيه أو اتبعونا في طريقتنا في { وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } أي إنْ ذلك خطيئةً يُؤاخذ عليها بالبعثِ كما تقُولونَ وإنَّما أَمروا أنفسَهم بالحمل عاطفين له على أمرِهم بالأتَّباعِ للمبالغة في تعليق الحملِ بالاتِّباع والوعدِ بتخفيفِ الأوزار عنهم إن كان ثمَةَ وزرٌ فردَّ عليهم بقولِه تعالى { وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مّن شَىْء } وقُرىء من خطيآتِهم أي وما هم بحاملين شيئاً مِن خطاياهم التي التزمُوا أنْ يحملُوا كلَّها على أن مِن الأُولي للتبـيـين والثانية مزيدةٌ للاستغراق. والجملةُ اعتراضٌ أو حالٌ. { إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } حيث أخبروا في ضمنِ وعدِهم بالحمل بأنَّهم قادرون على إنحازِ ما وعدوا فإنَّ الكذبَ كما يتطَّرقُ إلى الكلامِ باعتبار منطوقِه يتطرَّقُ إليه باعتبارِ ما يلزمُ مدلوله كما مرَّ في قوله تعالى:أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } [سورة البقرة: الآية 31].