الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

{ وَٱبْتَغِ } وقُرىء واتَّبع { فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ } من الغِنى { ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } أي ثوابَ الله تعالى فيها يصرفه إلى ما يكونُ وسيلةً إليه { وَلاَ تَنسَ } أي لا تتركْ تركَ المنسيِّ { نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } وهو أنْ تحصلَ بها آخرتك وتأخذَ منها ما يكفيك { وَأَحْسَنُ } أي إلى عبادِ الله تعالى { كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } فيما أنعمَ به عليك وقيل: أحسنْ بالشكرِ والطَّاعةِ كما أحسنَ الله إليكَ بالإنعامِ { وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } نهيٌ عمَّا كان عليه من الظُّلمِ والبغيِ { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ } لسوء أفعالِهم { قَالَ } مُجيباً لناصحيهِ { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي } كأنَّه يريدُ به الردَّ على قولِهم: كما أحسنَ الله إليك لإنبائِه عن أنَّه تعالى أنعم عليه بتلكَ الأموالِ والذخائرِ من غير سببٍ واستحقاقٍ مِن قِبَلِه أي فُضلت به على النَّاسِ واستوجبتَ به التفوقَ عليهم بالمالِ والجاهِ، وعلى علمٍ في موقعِ الحالِ وهو علمُ التَّوراةِ وكانَ أعلمَهم بها وقيل: علمُ الكيمياءِ وقيل: علم النجارة والدَّهقنةِ وسائرِ المكاسبِ وقيل: علمُ الكنوزِ والدَّفائنِ، وعندي صفةٌ له أو متعلقٌ بأوتيتُه كقولِك: جازَ هذا عندي أو في ظنِّي ورأيـي { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً } توبـيخٌ له من جهةِ الله تعالى على اغترارِه بقوَّتِه وكثرةِ مالِه مع علمِه بذلك قراءةً في التَّوراةِ وتلقياً مِن موسى عليه السَّلام وسماعاً من حُفَّاظِ التَّواريخِ وتعجبٌ منه، فالمعنى ألمْ يقرأِ التَّوراةَ ولم يعلمْ ما فعلَ الله تعالى بأضرابِه من أهلِ القُرونِ السَّابقةِ حتَّى لا يغترَّ بما اغترُّوا به، أو ردٌّ لادِّعائِه العلمَ وتعظمه به بنفيِ هذا العلمِ منه فالمعنى أعَلِم ما ادَّعاه ولم يعلم هذا حتى يقيَ به نفسَه مصارعَ الهالكينَ { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } سؤالُ استعلامٍ بل يُعذَّبون بها بغتةً كأنَّ قارونَ لما هُدِّد بذكرِ إهلاكِ من قبله ممَّن كان أقوى منه وأغنى أكَّد ذلك بأنْ بـيَّن أنَّ ذلك لم يكن مما يخصُّ أولئك المُهلَكين، بل الله تعالى مطلعٌ على ذنوبِ كافَّة المجرمين يعاقبهم عليها لا محالةَ.