الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ }

{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } منصوبٌ باذكُر { فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } تقريعٌ إثرَ تقريعٍ للإشعارِ بأنَّه لا شيء أجلبُ لغضبِ الله عزَّ وجلَّ من الإشراكِ كما لا شيءَ أدخلُ في مرضاتِه من توحيدِه سبحانَه. وقولُه تعالى: { وَنَزَعْنَا } عطفٌ على يُناديهم. وصيغةُ الماضي للدِّلالةِ على التَّحققِ أو حالٌ من فاعله بإضمارِ قد. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بشأنِ النَّزعِ وتهويلِه أي أخرجنَا { مِن كُلّ أمَّةٍ } من الأممِ { شَهِيداً } نبـياً يشهدُ عليهم بما كانُوا عليه كقولِه تعالى:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [سورة النساء: الآية 41] { فَقُلْنَا } لكلِّ أمَّةٍ من تلك الأُمم { هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } على صحَّة ما كنتُم تدينون به { فَعَلِمُواْ } يومئذٍ { أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ } في الإلٰهيةِ لا يشاركه فيها أحدٌ { وَضَلَّ عَنْهُم } أي غابَ عنهم غيبةَ الضَّائعِ { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } في الدُّنيا من الباطلِ.

{ إِنَّ قَـٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } كان ابنَ عمِّه يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب عليه السَّلام وموسى عليه السَّلام ابن عمران بن قاهث وقيل: كان موسى عليه السلام ابنَ أخيهِ وكان يسمَّى المنوَّر لحسنِ صورتِه وقيل: كان أقرأَ بني إسرائيلَ للتَّوراة ولكنَّه نافق كما نافقَ السَّامريُّ وقال: إذا كانت النُّبوة لموسى والمذبحُ والقربانُ لهارونَ فما لي. ورُوي أنَّه لما جاوز بهم مُوسى عليه السَّلام البحرَ وصارتِ الرِّسالةُ والحُبورةُ والقُربان لهارونَ وجد قارونُ في نفسِه وحسدَهُما فقال لموسى: الأمرُ لكما ولستُ على شيءٍ إلى متى أصبرُ؟ قال موسى عليه السَّلام: هذا صُنعُ الله تعالى. قال: لا أُصدِّقك حتَّى تأتيَ بآيةٍ، فأمر رؤساءَ بني إسرائيلَ أنْ يجيءَ كلُّ واحدٍ بعصاةٍ فحزمها وألقاها في القبَّة التي كان الوحيُ ينزلُ إليه فيها فكانوا يحرسون عصيَّهم بالليل فأصبحُوا فإذا بعصا هارونَ تهتزُّ ولها ورقٌ أخضرُ فقال قارون: ما هو بأعجبَ ممَّا تصنعُ من السِّحرِ وذلك قولُه تعالى: { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } فطلبَ الفضلَ عليهم وأنْ يكونُوا تحتَ أمرِه أو ظلمَهم، قيل: وذلكَ حينَ ملَّكه فرعونُ على بني إسرائيلَ وقيل: حسدَهم وذلك ما ذُكر منه في حقِّ موسى وهارونَ عليهما السَّلامُ { وآتيناه من الكنوز } أي الأموالِ المُدَّخرةِ { مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ } أي مفاتحَ صناديقِه وهو جمعُ مِفتح بالكسر وهو ما يُفتح به وقيل: خزانته وقياسُ واحدِها المَفتح بالفتحِ { لتنوء بالعصبة أولي القوة } خبر إن والجملةُ صلةُ ما وهُو ثاني مفعُولَيْ آتَى. وناءَ به الحملُ إذا أثقلَه حتَّى أمالَه والعُصبة والعُصابةُ الجماعةُ الكثيرةُ. وقُرىء لينوءُ بالياءِ على إعطاءِ المضافِ حكمَ المضافِ إليهِ كما مرَّ في قولِه تعالى:إن رحمة الله قريب من المحسنين } [سورة الأعراف: الآية 56] { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } منصوبٌ بتنوءُ وقيل: ببغى ورُدَّ بأنَّ البغيَ ليس مقيَّداً بذلك الوقتِ وقيل: بآتيناهُ ورُدَّ بأنَّ الإيتاءَ أيضاً غيرُ مقيَّدٍ به وقيل: بمضمرٍ فقيل: هو اذكُر وقيل: هو أظهرَ الفرحَ ويجوزُ أنْ يكونَ منصُوباً بما بعدَهُ من قولِه تعالى:قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ } وتكون الجملةُ مقررةً لبغيه { لاَ تَفْرَحْ } أي لا تبطرْ والفرحُ في الدُّنيا مذمومٌ مُطلقاً لأنَّه نتيجةُ حبِّها والرِّضا بها والذهولِ عن ذهابِها فإنَّ العلمَ بأن ما فيها من اللذةِ مفارقةٌ لا محالةَ يوجبُ التَّرحَ حتماً ولذلكَ قالَ تعالى:وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ } [سورة الحديد: الآية 23] وعُلِّل النهيُ هٰهنا بكونِه مانعاً من محبَّتِه عزَّ وعلاَ فقيلَ: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } أي بزخارفِ الدُّنيا.