الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } كعداوة رسولِ للها صلى الله عليه وسلم وحقدِه { وَمَا يُعْلِنُونَ } كالطَّعنِ فيه { وَهُوَ ٱللَّهُ } أي المستحقُّ للعبادة { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } لا أحدَ يستحقُّها إلا هو { لَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ } لأنَّه المولى للنِّعم كلِّها عاجلِها وآجلِها على الخلق كافةً يحمَده المؤمنون في الآخرةِ كما حمِدُوه في الدُّنيا بقولِهم: الحمدُ لله الذي أذهبَ عنَّا الحزنَ الحمدُ لله الذي صدقنا وعدَه ابتهاجاً بفضلِه والتذاذاً بحمدِه { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ } أي القضاءُ النَّافذُ في كلِّ شيءٍ من غيرِ مشاركةٍ فيه لغيرِه { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } بالبعثِ لا إلى غيرِه.

{ قُلْ } تقريراً لما ذُكر { أَرَءيْتُمْ } أي أخبرونِي { إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً } دائماً من السَّرد وهو المتابعةُ والاطِّرادِ والميمُ مزيدةٌ كما في دلامص من الدِّلاص يقال: درع دلاصٌ أي ملساءُ لينةٌ { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } بإسكانِ الشَّمس تحت الأرضِ أو تحريكها حول الأُفقِ الغائر { مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } صفةٌ لإلٰه { يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء } صفةٌ أخرى لها عليها يدورُ أمرُ التبكيتِ والإلزامِ كما في قوله تعالى:قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } [سورة يونس: الآية 31] وقوله تعالى:فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ } [سورة الملك: الآية 30] ونظائرِهما خلا أنَّه قُصدَ بـيانُ انتفاءِ الموصوفِ بانتفاءِ الصِّفة ولم يُقَل: هل إلٰه الخ لإيرادِ التَّبكيت والإلزامِ على زعمِهم. وقُرىء بضئاءٍ بهمزتينِ { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } هذا الكلامَ الحقَّ سماعَ تدبُّرٍ واستبصارٍ حتَّى تُذعنوا له وتعملوا بموجبِه. { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } بإسكانِها في وسطِ السَّماء أو بتحريكِها على مدارٍ فوقَ الأُفق { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ } استراحةً من متاعبِ الأشغالِ، ولعلَّ تجريدَ الضَّياءِ عن ذكرِ منافعِه لكونِه مقصوداً بذاتِه ظاهرَ الاستتباعِ لِما نيطَ به من المنافعِ { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } هذه المنفعةَ الظَّاهرةَ التي لا تَخْفى على مَن له بصرٌ.

{ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } أي في الليلِ { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } في النَّهارِ بأنواعِ المكاسبِ { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ولكي تشكرُوا نعمتَه تعالى فعلَ ما فعلَ أو لكي تعرفُوا نعمتَه تعالى وتشكروه عليها.