الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } * { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

{ وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } أي عقوبةٌ { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي بما اقترفُوا من الكفرِ والمعَاصي { فَيَقُولُواْ } عطفٌ على تُصيبَهم داخلٌ في حيِّزِ لولا الامتناعيَّةِ على أنَّ مدارَ انتفاءِ ما يُجاب به هو امتناعُه لا امتناعُ المعطُوفِ عليه وإنما ذكرَه في حيِّزِها للإيذانِ بأنَّه السببُ الملجىءُ لهم إلى قولِهم: { رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } أي هلاَّ أرسلتَ إلينا رسولاً مؤيداً مِن عندك بالآياتِ { فَنَتَّبِعَ ءايَـٰتِكَ } الظَّاهرةَ على يدِه وهو جوابُ لولا الثَّانيةِ { وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بهَا وجوابُ لولا الأُولى محذوفٌ ثقةً بدلالةِ الحالِ عليهِ والمَعْنى لولا قولُهم هذا عندَ إصابةِ عقوبةِ جناياتِهم التي قدَّمُوها ما أرسلناكَ لكن لمَّا كانَ قولُهم ذلكَ محقَّقاً لا محيدَ عنه أرسلناك قطعاً لمعاذيرِهم بالكُلِّيةِ { فَلَمَّا جَاءهُمُ } أي أهلَ مكَّةَ { ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } وهو القرآنُ المنزلُ عليهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام { قَالُواْ } تعنُّتاً واقتراحاً { لَوْلا أُوتِيَ } يعنونَه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ { مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ } من الكتابِ المنزَّلِ جملةً وأمَّا اليدُ والعَصَا فلا تعلُّق لهما بالمقامِ كسائرِ معجزاتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. قولُه تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } ردٌّ عليهم وإظهارٌ لكونِ ما قالُوه تعنُّتاً محضاً لا طلباً لما يُرشدهم إلى الحقِّ أي ألم يكفُروا من قبلِ هذا القولِ بما أُوتيَ موسى من الكتابِ كما كفرُوا بهذا الحقِّ. وقولُه تعالى: { قَالُواْ } استئنافٌ مَسُوقٌ لتقريرِ كُفرِهم المستفادِ من الإنكارِ السَّابقِ وبـيانِ كيفيَّتِه. وقولُه تعالى: { سِحْرَانِ } خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي هُما يعنونَ ما أُوتي محمدٌ وما أُوتي مُوسى عليهما السَّلام سحرانِ { تَظَاهَرَا } أي تعاوَنا بتصديقِ كلِّ واحدٍ منهُما الآخرَ وذلك أنَّهم بَعثوا رهطاً منهم إلى رؤساءِ اليَّهودِ في عيدٍ لهم فسألُوهم عن شأنِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فقالُوا: إنَّا نجدُه في التَّوارةِ بنعتِه وصفتِه فلمَّا رجعَ الرَّهطُ وأخبرُوهم بما قالتِ اليَّهودُ قالُوا ذلكَ. وقولُه تعالى: { وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلّ } أي بكلِّ واحدٍ من الكتابـينِ { كَـٰفِرُونَ } تصريحٌ بكفرِهم بهما وتأكيدٌ لكفرِهم المفهومِ من تسميتهما سحراً وذلك لغايةِ عُتوهم وتمادِيهم في الكفرِ والطُّغيانِ. وقُرىء ساحرانِ تظاهَرا يعنون مُوسى ومحمَّداً صلَّى الله عليهما وسلم. هذا هُو الذي تستدعيهِ جَزالةُ النَّظمِ الجليلِ فتأمَّلْ ودَعْ عنكَ ما قيلَ وقيلَ. ألا ترى إلى قولِه تعالى: { قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا } ممَّا أُوتياه من التَّوراةِ والقُرآنِ وسمَّيتُموهما سحرينِ فإنَّه نصٌّ فيما ذُكر. وقوله تعالى: { أَتَّبِعْهُ } جوابٌ للأمرِ أي إنْ تأتُوا به أتَّبعْهُ ومثلُ هذا الشَّرطِ ممَّا يأتِي من يدلُّ بوضوحِ حُجَّتِه وسُنوحِ محجَّتِه لأنَّ الإتيانَ بما هو أهدى من الكتابـينِ أمرٌ بـيِّنُ الاستحالةِ فيوسع دائرةَ الكلامِ للتَّبكيتِ والإفحامِ { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في أنَّهما سحرانِ مختلقانِ، وفي إيراد كلمةِ إنْ مع امتناعِ صدقِهم نوعُ تهكُّمٍ بهم.