الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

{ قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } بمقابلتِها { وَأَخِي هَـارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً } أي مُعيناً وهو في الأصلِ اسمُ ما يُعان به كالدِّفءِ، وقُرىء (رِدَاً) بالتخفيف { يُصَدّقُنِى } بتلخيصِ الحقِّ وتقريرِ الحجَّةِ بتوضيحِها وتزيـيفِ الشُّبهةِ { إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } ولسانِي لا يُطاوعني عند المُحاجةِ. وقيل المرادُ تصديقُ القومِ لتقريرِه وتوضيحِه لكنَّه أسندَ إليه إسناد الفعلِ إلى السببِ. وقُرىء يصدقْني بالجزمِ على أنَّه جوابُ الأمرِ { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي سنقويكَ به فإنَّ قوَّةَ الشَّخصِ بشدة اليدِ على مُزاولةِ الأمورِ ولذلكَ يعبّرُ عنه باليدِ وشدَّتِها بشدَّة العضدِ { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـٰناً } أي تسلطاً وغلبةً وقيل حجَّةً وليس بذاكَ { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } باستيلاءٍ أو محاجة { بِـئَايَـٰتِنَا } متعلقٌ بمحذوفٍ قد صُرِّح به في مواضعَ أُخَر أي اذهَبا بآياتِنا، أو بنجعل أي تسلطكما بآياتِنا أو بمعنى لا يصَلون أي تمتنعونَ منهم بها، وقيل هو قسمٌ وجوابُه لا يصلونَ وقيلَ هو بـيانٌ للغالبونَ في قولِه تعالى: { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ } بمعنى أنَّه صلةٌ لِمَا يبـينُه أو صلةٌ له على أنَّ اللامَ للتعريفِ لا بمعنى الذي { فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا بَيّنَـٰتٍ } أي واضحات الدِّلالةِ على صحَّةِ رسالةِ مُوسى عليه السَّلام منه تعالى، والمرادُ بها العَصَا واليدُ إذ هُما اللتانِ أظهرَهُما مُوسى عليه السَّلام إذْ ذاكَ، والتَّعبـيرُ عنْهمَا بصيغةِ الجمعِ قد مرَّ سرُّه في سورةِ طه. { قَالُواْ مَا هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } أي سحرٌ مختلقٌ لم يُفعل قبلَ هذا مثلُه أو سحرٌ تعمله ثم تفتريهِ على الله تعالى أو سحرٌ موصوفٌ بالافتراءِ كسائرِ أصنافِ السِّحِر { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي السِّحرِ أو ادعاءِ النُّبوةِ { في آبائنا الأولين } أي واقعاً في أيَّامِهم.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } يريدُ به نفسَه. وقُرىء قالَ بغيرِ واوٍ لأنَّه جوابٌ عن مقالِهم. ووجهُ العطفِ أنَّ المرادَ حكايةُ القولينِ ليوازنَ السَّامعُ بـينهما فيميِّز صحيحَهما من الفاسدِ { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَـٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } أي العاقبةُ المحمودُة في الدَّارِ وهي الدُّنيا، وعاقبتُها الأصليةُ هي الجَّنة لأنَّها خُلقتْ مجازاً إلى الآخرةِ ومزرعة لها والمقصودُ بالذاتِ منها الثَّوابُ، وأمَّا العقابُ فمن نتائجِ أعمالِ العُصاةِ وسيئاتِ الغُواة. وقُرىء يكونُ بالياءِ التحتانيَّةِ { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي لا يفوزونَ بمطلوبٍ ولا ينجون عن محذُورٍ.