الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

{ فَلَمَّا أَتَـٰهَا } أي النَّارَ التي آنسَها { نُودِيَ مِن شَاطِىء ٱلْوَادِى ٱلأَيْمَنِ } أي أتاهُ النِّداءُ من الشاطيءِ الأيمنِ بالنسبةِ إلى مُوسى عليهِ السَّلامُ { فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } متصلٌ بالشَّاطيء أو صلةٌ لنُوديَ { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } بدلُ اشتمالٍ من شاطيءٍ لأنَّها كانتْ نابتةً على الشَّاطيءِ { أَن يٰمُوسَىٰ إِنّي أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وهذا وإنْ خالفَ لفظاً لما في طه والنَّملِ لكنَّه موافقٌ له في المَعنى المرادِ { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } عطفٌ على أنْ يا مُوسى وكلاهما مفسرٌ لنودَي والفاءُ في قولِه تعالى: { فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ } فصيحةٌ مفصحةٌ عن جُمَلٍ قد حُذفتْ تعويلاً على دلالةِ الحالِ عليها وإشعاراً بغايةِ سرعةِ تحققِ مدلولاتِها أي فألقاهَا فصارتْ ثُعباناً فاهتزتْ فلمَّا رَآها تهتزُّ { كَأَنَّهَا جَانٌّ } أي في سُرعةِ الحركةِ مع غايةِ عظمِ جُثَّتِها { وَلَّىٰ مُدْبِراً } أي مُنهزماً من الخوفِ { وَلَمْ يُعَقّبْ } أيْ لم يرجعْ { يَا مُوسَىٰ } أي قيلَ يا مُوسى: { أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } من المخاوفِ فإنَّه لا يخافُ لديَّ المُرسلون { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ } أي أَدخلْها فيهِ { تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء } أي عيبٍ { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } أي يديك المبسوطتينِ لتتَّقي بهما الحيَّةَ كالخائفِ الفزعِ بإدخالِ اليمنى تحتَ العضد الأيسرِ واليسرى تحتَ الأيمنِ أو بإدخالِهما في الجيبِ فيكون تكريراً لغرضٍ آخرَ هو أنْ يكونَ ذلك في وجهِ العدوِّ إظهارَ جراءةٍ ومبدأ لظهورٍ معجزةٍ، ويجوزُ أنْ يرادَ بالضمِّ التَّجلدُ والثباتُ عند انقلابِ العَصَا ثعباناً استعارةٌ من حالِ الطَّائرِ فإنَّه إذَا خافَ نشَر جناحيِه وإذا أمنَ واطمأنَّ ضمَّهما إليهِ { مِنَ ٱلرَّهْبِ } أي من أجلِ الرَّهبِ أي إذا عراكَ الخوفُ فافعلْ ذلك تجلُّداً وضبطاً لنفسكَ. وقُرىء بضمِّ الراءِ وسكونِ الهاءِ وبضمِّهما، والكلُّ الغاتٌ { فَذَانِكَ } إشارةٌ إلى العَصَا واليدِ. وقُرىء بتشديدِ النُّونِ فالمخففُ مُثنَّى ذاكَ والمشدَّدُ مثنَّى ذلكَ { بُرْهَانَـٰنِ } حجَّتانِ نيِّرتانِ. وبُرهان فُعلان لقولِهم أبرَه الرَّجلُ إذا جاءَ بالبُرهانِ من قولِهم برهَ الرَّجلُ إذا ابـيضَّ ويُقال للمرأةِ البـيضاءِ برهاءُ وبَرَهْرَهةٌ، ونظيرُه تسميةِ الحجَّةِ سُلطاناً من السَّليطِ وهو الزَّيتُ لإنارتِها. وقيل: هو فُعلال لقولِهم برهنَ. ومِن في قوله تعالى: { مِن رَبّكَ } متعلقةٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لبرهانانِ أي كائنانِ منْهُ تعالى: { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } واصلانِ ومنتهيانِ إليهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } خارجينَ عن حُدود الظُّلمِ والعُدوان فكانُوا أحِقَّاءَ بأنْ نُرسلَك إليهم بهاتينِ المُعجزتينِ الباهرتينِ.