الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } * { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ }

{ قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } إمَّا قسمٌ محذوفُ الجوابِ أي أقسمُ بإنعامِك عليَّ بالمغفرةِ لأتوبنَّ { فَلَنْ أَكُونَ } بعدَ هذا أبداً { ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ } وإمَّا استعطافٌ أي بحقِّ إنعامِكَ عليَّ اعصمنِي فلنْ أكونَ معيناً لمن تؤدي معاونتُه إلى الجُرمِ. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يستئنِ فابتُليَ به مرَّةً أُخرى، وهذا يؤيدُ الأولَ، وقيل: معناهُ بما أنعمتَ عليَّ من القوَّةِ أعينُ أولياءكَ فلن استعملَها في مُظاهرةِ أعدائِكَ { فَأَصْبَحَ فِى ٱلْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } يترصَّدُ الاستفادةَ أو الأجنادَ { فَإِذَا ٱلَّذِى ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } أي يستغيثُه برفعِ الصَّوتِ من الصُّراخ { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ } أي بـيِّنُ الغوايةِ تسببتَ لقتلِ رجلٍ وتُقاتلُ آخرَ { فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ } مُوسى { أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا } أي لموسى وللإسرائيليِّ إذ لم يكن على دينِهما ولأنَّ القِبطَ كانُوا أعداءً لبني إسرائيلَ على الإطلاقِ. وقُرىء يبطُش بضمِّ الطَّاءِ { قَالَ } أي الإسرائيليِّ ظانّاً أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام يبطشُ به حسبما يُوهمه تسميتُه إيَّاه غويّاً { يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } قالُوا: لما سمعَ القبطيُّ قولَ الإسرائيليُّ علمَ أنَّ موسى هو الذي قتلَ ذلك الفرعونيَّ فانطلق إلى فرعونَ فأخبرَهُ بذلك وأمرَ فرعونُ بقتلِ مُوسى عليه السَّلامُ وقيل: قاله القبطيُّ { إِن تُرِيدُ } أي ما تريدُ { إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى ٱلأَرْضِ } وهو الذي يفعلُ كلَّ ما يريدُه من الضربِ والقتلِ ولا ينظرُ في العواقبِ وقيل: المتعظِّمُ الذي لا يتواضعُ لأمرِ الله تعالى { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } بـينَ النَّاسِ بالقولِ والفعلِ. { وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ } أي كائنٌ من آخِرها أو جاءَ من آخِرها { يَسْعَىٰ } أي يسرعُ، صفةٌ لرجلٌ أو حالٌ منه على أنَّ الجارَّ والمجرورَ صفةٌ له لا متعلَّق بجاء فإن تخصصه يلحقه بالمعارفِ قيل: هو مؤمنُ آلِ فرعونَ واسمُه حِزْقيلُ وقيل: شَمعُون وقيل: شَمعانُ { قَالَ يَـا مُوسَىٰ إنِ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } أي يتشاورُون بسببكَ فإنَّ كلاًّ من المتشاورينَ يأمرُ الآخرينَ ويأتمرُ { فَٱخْرُجْ } أي من المدينةِ { إِنّى لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } اللامُ لبـيانِ لما أنَّ معمولَ الصِّلةِ لا يتقدمُها