الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

{ فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } بوصولِ ولدِها إليها { وَلاَ تَحْزَنْ } بفراقِه { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } أي جميعَ ما وعدَهُ من ردِّه وجعلِه من المُرسلينَ { حَقّ } لا خُلفَ فيه بمشاهدةِ بعضِه وقياسِ بعضِه عليه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنَّ الأمرَ كذلكَ فيرتابونَ فيهِ أو أنَّ الغرضَ الأصليَّ من الردِّ علمُها بذلك وما سواه تبعٌ، وفيه تعريضٌ بما فَرَط منها حين سمعتْ بوقوعِه في يدِ فرعونَ.

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي المبلغَ الذي لا يزيدُ عليه نشؤُه وذلك من ثلاثينَ إلى أربعينَ سنة فإنَّ العقلَ يكملُ حينئذٍ. ورُوي أنَّه لم يُبعثْ نبـيٌّ إلا على رأسِ الأربعينَ { وَٱسْتَوَىٰ } أي اعتدلَ قدُّه أو عقلُه { آتَيْنَاهُ حُكْمًا } أي نبوَّةً { وَعِلْماً } بالدِّينِ أو علمَ الحُكماءِ والعُلماءِ وسمتَهم قبل استنبائِه فلا يقولُ ولا يفعلُ ما يُستجهلُ فيهِ وهو أوفقُ لنظْمِ القصَّةِ لأنَّه تعالى استنبأهُ بعد الهجرةِ في المُراجعةِ { وَكَذٰلِكَ } ومثلَ ذلكَ الذي فعلنَا بمُوسى وأمِّه { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } على إحسانِهم. { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } أي مصرَ من قصرِ فرعونَ وقيل: منفُ أو حابـينُ أو عينُ شمسٍ من نواحِيها { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا } في وقتٍ لا يُعتادُ دخولُها أو لا يتوقعونَه فيه قيل: كان وقتَ القيلولةِ وقيل: بـينَ العشاءينِ { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } أي ممَّن شايعُه على دينِه وهم بنو إسرائيلَ { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوّهِ } أي من مخالفيهِ ديناً وهم القِبطُ. والإشارةُ على الحكايةِ { فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ } أي سألَه أنْ يغيثَه بالإعانة كما ينبىءُ عنه تعديتُه بعَلَى. وقُرىء استعانَه { عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } أي ضرب القبطيَّ بجُمعِ كفِّه. وقُرىء فلكزَه أي فضربَ به صدرَهُ { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } فقتلَه وأصلُه أنهى حياتَه من قولِه تعالى:وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } [سورة الحجر: الآية 66] { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } لأنَّه لم يكُن مأموراً بقتلِ الكفَّار أو لأنَّه كان مأموناً فيما بـينهم فلم يكُن له اغتيالُهم. ولا يقدحُ ذلك في عصمتِه لكونِه خطأً وإنما عدَّه من عملِ الشَّيطانِ وسمَّاه ظُلماً واستغفرَ منه جرياً على سُنَنِ المقرَّبـينَ في استعظامِ ما فرطَ منهم ولو كانَ من مُحقِّراتِ الصَّغائرِ { إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } ظاهرُ العداوةِ والإضلالِ.

{ قَالَ } توسيطُه بـين كلاميهِ عليه الصَّلاة والسَّلام لإبانةِ ما بـينهما من المخالفةِ من حيثُ إنَّه مناجاةٌ ودعاءٌ بخلافِ الأولِ { رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِي } أي بقتلِه { فَٱغْفِرْ لِى } ذَنبـي { فَغَفَرَ لَهُ } ذلك { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أي المبالغُ في مغفرةِ ذنوبِ عبادِه ورحمتِهم