الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىٰ فَارِغاً } صفراً من العقلِ لِمَا دهمَها من الخوفِ والحيرةِ حين سمعتْ بوقوعِه في يدِ فرعونَ لقولِه تعالى:وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } [سورة إبراهيم: الآية 43] أي خلاءُ لا عقولَ فيها ويعضدُه أنَّه قُرىء فَرغاً من قولِهم: دماؤهم بـينهم فرغٌ أي هَدرٌ وقيل: فارغاً من الهمِّ والحُزن لغايةِ وثوقِها بوعدِ الله تعالى أو لسماعِها أنَّ فرعونَ عطفَ عليه وتبنَّاهُ وقُرىء مُؤْسى بالهمزِ إجراءً للضَّمة في جارة الواوِ مجرى ضمَّتِها فهمزت كما في وجوهٍ { إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ } أي إنَّها كادتْ لتظهرُ بموسى أي بأمرِه وقصَّتِه من فرطِ الحيرةِ والدَّهشةِ أو الفرحِ بتبنيهِ { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } بالصَّبرِ والثَّباتِ { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي المُصدِّقين بوعدِ الله تعالى أو من الواثقينَ بحفظِه لا بتبنِّي فرعونَ وتعطفِه وهو علَّةُ الرَّبطِ وجوابُ لولا محذوفٌ لدلالةِ ما قبله عليهِ.

{ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ } مريمَ والتَّعبـيرُ عنها بأخوَّتِه عليه الصَّلاة والسَّلام دونَ أنْ يقال لبنتِها للتَّصريحِ بمدار المحبَّةِ الموجبةِ للامتثالِ بالأمرِ { قُصّيهِ } أي اتبعِي أثرَه وتتبَّعي خبرَه { فَبَصُرَتْ بِهِ } أي أبصرتْهُ { عَن جُنُبٍ } عن بُعدٍ. وقُرىء بسكونِ النُّونِ، وعن جانبٍ. والكلُّ بمعنى { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنَّها تقُصُّه وتتعرفُ حالَه وأنَّها أختُه { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } أي منعناه أنْ يرتضعَ من المرضعاتِ. والمَرَاضعُ جمعُ مرضعٍ وهي المرأةُ التي تُرضع أو مُرضع وهو الرَّضاعُ أو موضعُه أعني الثَّديَ { مِن قَبْلُ } أي من قبلِ قصِّها أثرَه { فَقَالَتْ } عند رؤيتِها لعدمِ قَبُولِه الثَّديَ واعتناءَ فرعونَ بأمرِه وطلبَهم من يقبلُ ثديَها { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } أي لأجلِكم { وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ } لا يُقصِّرون في إرضاعِه وتربـيتِه. رُوي أنَّ هامان لمَّا سمعَه منها قال: إنَّها لتعرفُه وأهلَه فخذُوها حتَّى تخبرَ بحالِه فقالتْ: إنَّما أردتُ وهم للملكِ ناصحُون فأمرَها فرعونُ بأنْ تأتيَ بمَن يكفلُه فأتتْ بأمِّه ومُوسى على يدِ فرعونَ يبكِي وهو يُعلله فدفعَه إليها فلمَّا وجدَ ريحَها استأنسَ والتقمَ ثديها فقالَ: مَن أنتِ منه فقد أبَى كلَّ ثديٍ إلا ثديكِ فقالتْ: إنِّي امرأةٌ طيبةُ الريح طيبة اللبنِ لا أُوتى بصبـيَ إلا قبِلني فقرَّره في يدِها وأجرى عليها فرجعتْ إلى بـيتِها من يومِها وذلكَ قولُه تعالى: