الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }

{ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱللَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ } الرؤيةٌ قلبـية لا بصريةٌ لأنَّ نفسَ الليلِ والنَّهارِ وإنْ كانَا من المُبصرات لكن جعلُهما كما ذُكر من قبـيلِ المعقولاتِ أي ألم يعلموا أنَّا جعلنا الليل بما فيهِ من الإظلامِ ليستريحُوا فيه بالنَّومِ والقرارِ. { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } أي ليبُصروا بما فيهِ من الإضاءةِ طرقَ التقلبِ في أمورِ المعاش فبُولغَ فيه حيثُ جُعل الإبصارُ الذي هو حالُ النَّاسِ حالاً له ووصفاً من أوصافِه التي جُعل عليها بحيثُ لا ينفكُّ عنها ولم يسلك في الليلِ هذا المسلكَ لما أنَّ تأثيرَ ظلامِ الليَّلِ في السُّكونِ ليس بمثابةِ تأثيرِ ضَوْء النَّهارِ في الأبصارِ { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي في جعلِهما كما وُصفا، وما في اسمِ الإشارةِ من مَعْنى البُعدِ للإشعارِ ببُعدِ درجتِه في الفضلِ. { لأَيَاتٍ } أي عظيمةً كثيرةً { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } دالةٌ على صحَّةِ البعثِ وصدقِ الآياتِ النَّاطقةِ به دلالةً واضحةً كيف لا وإنَّ مَن تأمَّلَ في تعاقُبِ اللَّيل والنهارِ واختلافِهما على وجوه بديعةٍ مبنيةٍ على حِكَمٍ رائعةٍ تحارُ في فهمِها العقولُ ولا يُحيطُ بها إلا الله عزَّ وجلَّ وشاهدَ في الآفاقِ تبدلَ ظُلمةِ الليلِ المحاكيةِ للموتِ بضياءِ النَّهارِ المُضاهي للحياةِ وعاينَ في نفسِه تبدلَ النَّومِ الذي هو أخوُ الموتِ بالانتباه الذي هو مثلُ الحَيَاةِ قَضَى بأنَّ السَّاعةَ آتية لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ مَن في القبورِ قضاءً متقناً وجزمَ بأنَّه تعالى قد جعلَ هذا أُنموذجاً له ودليلاً يستدلُّ به على تحققِه وأنَّ الآياتِ الناطقةَ به وبكونِ حالِ اللَّيل والنهار بُرهاناً عليهِ وسائرَ الآياتِ كلِّها حقٌّ نازلٌ من عندِ الله تعالى.

{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ } إمَّا معطوفٌ على يومَ نحشرُ منصوبٌ بناصبِه أو بمضمرٍ معطوفٍ عليه. والصُّور هو القَرْنُ الذي ينفخُ فيه إسرافيلُ عليه السَّلامُ " عنْ أبـي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " لمَّا فرغَ الله تعالى مِن خلْقِ السَّمواتِ والأرضِ خلقَ الصُّور فأعطاهُ إسرافيلَ فهو واضُعه على فيهِ شاخصٌ بصرُه إلى العرشِ متى يُؤمر " قال قلتُ: يا رسولَ الله ما الصُّور؟ قال: " القَرنُ " قال قلتُ: كيف هُو؟ قال: " عظيمٌ والذي نفسي بـيدِه إنَّ عظَم دارةٍ فيه كعرضِ السماءِ والأرضِ فيُؤمر بالنَّفخِ فيه فينفُخ نفخةً لا يبقى عندها في الحياةِ أحدٌ غيرُ مَن شاء الله تعالى وذلك قولُه تعالى: { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } [سورة الزمر: الآية 68] ثم يُؤمر بأُخرى فينفخُ نفخَّة لا يبقي معها ميتٌ إلا بُعث وقامَ وذلك قولُه تعالى: { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } "

السابقالتالي
2