الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } * { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }

{ وَمَا أَنتَ بِهَادِى ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } هدايةً موصِّلةً إلى المطلوبِ كما في قولِه تعالى:إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } [سورة القصص: الآية 56] فإنَّ الاهتداءَ منوطٌ بالبصرِ، وعن متعلِّقِةٍ بالهدايةِ باعتبارِ تضمنِه معنى الصَّرفِ وقيل: بالعمى عن كذا وفيهِ بعدٌ. وإيرادُ الجُملةِ الاسميةِ للمُبالغةِ في نَفي الهِداية. وقُرىء وما أنت تَهدي العُميَ { إِن تُسْمِعُ } أي ما تُسمع سماعاً يُجدي السامعَ نفعاً { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِئَايَـٰتِنَا } أي مَن مِن شأنِهم الإيمانُ بها. وإيرادُ الإسماعِ في النفيِّ والإثباتِ دونَ الهدايةِ مع قُربها بأنْ يقالَ إنْ تُهدي إلا مَن يُؤمن الخ لِما أنَّ طريقَ الهدايةِ هو إسماعُ الآياتِ التنزيليَّةِ { فَهُم مُّسْلِمُونَ } تعليلٌ لإيمانِهم بَها كأنَّه قيلَ فإنَّهم مُنقادونَ للحقَّ. وقيلَ: مُخلصون لله تعالى من قولِه تعالى:بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } [سورة البقرة: الآية 112]

. { وَإِذْا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } بـيانٌ لما أُشير إليه بقولِه تعالى:بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } [سورة النمل: الآية 72] من بقيةِ ما يستعجلونَهُ من السَّاعةِ ومباديها، والمُرادُ بالقولِ ما نطقَ من الآياتِ الكريمةِ بمجيءِ السَّاعةِ وما فيها مِنْ فُنونِ الأَهوالِ التي كانُوا يستعجلُونها وبوقوعِه قيامُها وحصولُها عبَّر عن ذلكَ به للإيذان بشدَّةِ وقعِها وتأثيرِها. وإسنادُه إلى القولِ لِما أنَّ المرادُ بـيانُ وقوعِها منْ حيثُ إنَّها مصداقٌ للقولِ النَّاطقِ بمجيئها وقد أُريدَ بالوقوعِ دُنوُّه واقترابُه كما في قولِه تعالى:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [سورة النحل: الآية 1] أي إذا دَنَا وقوعُ مدلولِ القولِ المذكورِ الذي لا يكادُون يسمعونَهُ ومصداقُه { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ ٱلأَرْضِ } وهي الجسَّاسةُ وفي التَّعبـيرِ عنها باسمِ الجنسِ وتأكيدُ إبهامِه بالتَّنوينِ التفخيميِّ من الدِّلالةِ على غَرَابةِ شأنِها وخروجِ أوصافِها عن طور البـيانِ ما لا يخفى. وقد وردَ في الحديثِ أنَّ طولها ستُّون ذراعاً لا يدركها طالبٌ ولا يفوتها هارب. وروي أن لها أربعَ قوائمَ ولها زَعَبٌ وريشٌ وجناحانِ. وعن ابن جُريجٍ في وصفِها رأسُ ثورٍ وعينُ خنزيرٍ وأُذنُ فيل وقرنُ أيلُ وعنقُ نعامةٍ وصدرُ أسدٍ ولونُ نمرٍ وخاصرةُ هرةٍ وذَنَبُ كبشِ وخُفُّ بعيرٍ وما بـين المفصلينِ اثنا عشرَ ذراعاً بذراعِ آدمَ عليهِ السَّلامُ. وقال وهبٌ: وجهُها وجه الرَّجلِ وباقي خَلقِها خَلْقُ الطَّيرِ. ورُوي عن عليَ رضي الله عنه أنَّه قال: ليس بدابةٍ لها ذنبٌ ولكنْ لها لحيةٌ كأنَّه رجلٌ. والمشهورُ أنَّها دابَّةٌ. وروي لا تخرجُ إلا رأسُها ورأسُها يبلغُ عنانَ السَّماءِ أو يبلغُ السَّحابَ. وعن أبـي هُريرةَ رضي الله عنْهُ فيها كلُّ لونٍ ما بـينَ قَرنيها فرسخٌ للرَّاكبِ. وعن الحَسَنِ رضي الله عنه لا يتمُّ خروجُها إلا بعدَ ثلاثةِ أيَّام. وعنْ عليَ رضي الله عنه أنَّها تخرجُ ثلاثَة أيَّامٍ والنَّاسُ ينظرونَ فلا يخرجُ كلَّ يومٍ إلا ثلثُها. وعن النبـيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه سُئل من أين تخرجُ الدَّابةُ فقال:

السابقالتالي
2