الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }

{ لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا } أي الإخراجَ { نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ } أي من قبلِ وعدِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتقديمُ الموعودِ على نحنُ لأنَّه المقصودُ بالذكرِ وحيثُ أُخّرَ قُصد به المبعوثَ والجملةُ استئنافٌ مسوقٌ لتقريرِ الإنكارِ. وتصديرُها بالقسمِ لمزيدِ التأكيدِ. وقولُه تعالى: { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } تقريرُ إثرَ تقريرٍ.

{ قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } بسببِ تكذيبِهم للرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ فيما دَعَوهم إليهِ من الإيمانِ بالله عزَّ وجلَّ وحَدهُ وباليومِ الآخرِ الذي تُنكرونَهُ فإنَّ في مشاهدةِ عاقبتِهم ما فيهِ كفايةٌ لأُولي الأبصارِ وفي التعبـيرِ عن المُكذبـينَ بالمجرمينَ لُطفٌ بالمؤمنينَ في تَرْكِ الجرائم.

{ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } لإصرارِهم على الكُفْرِ والتَّكذيبِ { وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ } في حَرَجِ صدرٍ { مّمَّا يَمْكُرُونَ } من مكرِهم فإنَّ الله تعالى يَعصِمُك من النَّاسِ. وقُرىءَ بكسرِ الضَّادِ وهُو أيضاً مصدرٌ ويجوزُ أنْ يكونَ المفتوحُ مخفَّفاً من ضيّقٍ. وقد قُرىءَ كذلكَ أي لا تكُن في أمرٍ ضيِّقٍ.

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } أي العذابُ العاجلُ الموعودُ { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في إخبارِكم بإتيانِه. والجمعُ باعتبارِ شركةِ المُؤمنينَ في الإخبارِ بذلَك.

{ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } أي تبعكُم ولحقكُم والَّلامُ مزيدةٌ للتأكيدِ كالباءِ في قولهِ تعالى:وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [سورة البقرة: الآية 195] أو الفعلُ مضمَّنٌ معنى فعلٍ يُعدَّى باللاَّمِ. وقُرىءَ بفتحِ الدَّالِ وهي لغةٌ فيه { بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ } وهو عذابُ يومِ بدرٍ. وعسَى ولعلَّ وسوف في مواعيد الملوك بمنزلة الجزم بها وإنما يطلقونها إظهاراً للوقار وإشعاراً بأنَّ الرَّمزَ من أمثالِهم كالتَّصريحِ ممَّن عداهُم وعلى ذلك مَجرى وعدِ الله تعالى ووعيدهِ. وإيثارُ ما عليه النَّظمُ الكريمُ على أنْ يُقالَ عَسى أنْ يردفَكم الخ لكونِه أدلَّ على تحققِ الوعدِ.

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي لذُو إفضالٍ وإنعامٍ على كافَّة النَّاسِ. ومن جُملةِ إنعاماتِه تأخيرُ عقوبةِ هؤلاءِ على ما يرتكبونَهُ من المَعَاصي التي من جُملتِها استعجالُ العذابِ { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } لا يعرفون حقَّ النعمةِ فيه فلا يشكرونَهُ بل يستعجلونَ بجهلِهم وقوعَهُ كدأبِ هؤلاءِ.