الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ أَم مَّنْ يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } وهو الذي أحوجتْه شدةٌ من الشَّدائدِ وألجأته إى اللجَأِ والضَّراعةِ إلى الله عزَّ وجلَّ، اسم مفعولٍ من الاضطرارِ الذي هو افتعالٌ من الضِّرورةِ. وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما هو المجهودُ وعن السُّدِّيِّ رحمه الله تعالى مَن لا حولَ له ولا قوةَ، وقيل: المذنبُ إذا استغفرَ. واللامُ للجِنسِ لا للاستغراقِ حتَّى يلزمَ إجابة كلِّ مضطرٍ. { وَيَكْشِفُ ٱلسُّوء } وهُو الذي يعترِي الإنسانَ مما يسوؤُه { وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء ٱلأَرْضِ } أي خلفاءَ فيها بأنْ ورَّثكم سُكناها والتَّصرفَ فيها ممَّن قبلكم من الأممِ وقيل المرادُ بالخلافةِ الملكُ والتَّسلطُ. { أَءِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } الذي يُفيض على كافةِ الأنامِ هذه النعمَ الجسامَ { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } أي تذكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تتذكرونَ، وما مزيدةٌ لتأكيدِ معنى القلَّةِ التي أريدَ بها العدمُ أو ما يجري مجراه في الحقارةِ وعدمِ الجدوى. وفي تذييلِ الكلامِ بنفي التذكرِ عنهم إيذانٌ بأنَّ مضمونَهُ مركوزٌ في ذهنِ كلِّ ذكيَ وغبـيَ وأنَّه من الوضوحِ بحيثُ لا يتوقفُ إلا على التوجِه إليه وتذكره. وقُرىء تتذكرونَ على الأصلِ وتذّكرون يذّكرونَ بالتاءِ والياءِ مع الإدغامِ.

{ أَم مَّنْ يَهْدِيكُمْ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } أي في ظلماتِ الليالي فيهما على أنَّ الإضافةَ للملابسةِ أو في مشتبهاتِ الطرقِ يقالُ طريقةٌ ظلماءُ وعمياءُ للتي لا منارَ بها { وَمَن يُرْسِلُ ٱلرّيَاحَ بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } وهي المطرُ، ولئن صحَّ أن السببَ الأكثريَّ في تكونِ الريحِ معاودةُ الأدخنةِ الصاعدةِ من الطبقةِ الباردةِ لانكسارِ حرِّها وتمويجِها للهواءِ فلا ريبَ في أنَّ الأسبابَ الفاعليةَ والقابليةَ لذلك كلِّه من خلقِ الله عزَّ وجلَّ، والفاعلُ للسببِ فاعلٌ للمسبَّب قطعاً { أَءِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } نفيٌ لأنْ يكونَ معه إلهٌ آخرُ. وقولُه تعالى: { تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تقريرٌ وتحقيقٌ له، وإظهار الاسمِ الجليلِ في موضعِ الإضمارِ للإشعارِ بعلَّةِ الحُكمِ أي تعالَى وتنزه بذاتِه المنفردةِ بالألُوهيةِ المستتبعةِ لجميعِ صفاتِ الكمالِ ونعوتِ الجمالِ والجلالِ المقتضيةِ لكونِ كلِّ المخلوقاتِ مقهُوراً تحتَ قُدرتِه عمَّا يُشركون أي عنْ وجودِ ما يُشركونَه به تعالَى لا مُطلقاً فإنَّ وجودَه مما لا مردَّ لهُ بلْ عن وجودِه بعُنوانِ كونِه إلهاً وشريكاً له تعالَى أو عن إشراكهم.