{ وَمَكَرُواْ مَكْراً } بهذهِ المواضعةِ { وَمَكَرْنَا مَكْراً } أي أهلكَناهم إهلاكاً غيرَ معهودٍ { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أو جازيناهم مكَرهم من حيثُ لا يحتسبونَ. { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ مَكْرِهِمْ } شروعٌ في بـيانِ ما ترتَّبَ على ما باشرُوه من المكرِ، وكيفَ معلقةٌ لفعلِ النظرِ. ومحلُّ الجملةِ النصبُ بنزعِ الخافضِ أي فتفكر في أنَّه كيفَ كانَ عاقبةُ مكرِهم. وقولُه تعالى: { أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ }. إما بدلٌ من عاقبةُ مكرِهم على أنَّه فاعلُ كان وهي تامَّة وكيفَ حالٌ أي فانظُرْ كيفَ حصلَ أي على أيِّ وجهٍ حدثَ تدميرُنا إيَّاهُم. وإمَّا خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ. والجملةُ مبنيةٌ لما في عاقبةُ مكرِهم من الإبهامِ أي هي تدميرُنا إيَّاهم { وَقَوْمَهُمْ } الذين لم يكونُوا معُهم في مباشرةِ التبـييتِ. { أَجْمَعِينَ } بحيثُ لم يشذَّ منُهم شاذٌّ. وإما تعليلٌ لما ينبـىءُ عنه الأمرُ بالنَّظرِ في كيفيةِ عاقبةِ مكرِهم من غايةِ الهولِ والفظاعةِ بحذفِ الجارِّ أي لأنَّا دمَّرناهم الخ وقيلَ كانَ ناقصةٌ اسمُها عاقبةُ مكرِهم خبرُها كيفَ كانَ فالأوجُه حينئذٍ أنْ يكونَ قولُه تعالى: أنَّا دمَّرناهم الخ تعليلاً لما ذكِر. وقُرىء إنَّا دمَّرناهم الخ بالكسرِ على الاستئنافِ. رُوي أنَّه كانَ لصالحٍ عليه السَّلام مسجدٌ في الحجر في شعبٍ يصلِّي فيهِ، فقالُوا زعمَ صالحٌ أنَّه يفرغُ منَّا إلى ثلاثٍ فنحنُ نفرغُ منه ومن أهلهِ قبل الثَّلاثِ فخرجُوا إلى الشِّعبِ، وقالُوا إذَا جاءَ يُصَلِّي قتلناهُ ثمَّ رجعنَا إلى أهلِه فقتلناهُم فبعثَ الله تعالى صخرةً من الهضبِ حيالَهم فبادرُوا فطبقتِ الصَّخرةُ عليهم فم الشِّعبِ فلم يدرِ قومُهم أينَ هُم ولم يدروا ما فُعل بقومِهم وعذَّب الله تعالى كلاً منهم في مكانِه ونجَّى صالحاً ومَن معه. وقيلَ جاءُوا بالليلِ شاهرِي سيوفِهم وقد أرسلَ الله تعالى الملائكةَ ملءَ دارِ صالحِ فدمغُوهم بالحجارةِ يرون الحجارةَ ولا يَرون رامياً. { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ } جملةً مقررةٌ لما قبلها. وقولُه تعالى: { خَاوِيَةٍ } أي خاليةً أو ساقطةً متهدمةً { بِمَا ظَلَمُواْ } أي بسببِ ظلمِهم المذكورِ، حالٌ من بـيوتُهم والعاملُ معنى الإشارةِ. وقُرىء خاويةٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيَما ذُكر من التَّدميرِ العجيبِ بظلِمهم { لآيَةً } لعبرةً عظيمةً { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي ما من شأنِه أنْ يُعلم من الأشياءِ أو لقومٍ يتصفونَ بالعلم { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } صالحاً ومَن معه من المؤمنينَ. { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } أي الكفَر والمعاصي اتقاءً مستمراً فلذلك خُصُّوا بالنَّجاةِ. { وَلُوطاً } منصوبٌ بمضمرٍ معطوفٍ على أرسلنا في صدرِ قصَّة صالحٍ داخلٌ معه في حيِّز القسمِ أي وأرسلنا لوطاً. وقوله تعالى: { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } ظرفٌ للإرسالِ على أنَّ المرادَ به أمرٌ ممتدٌ وقعَ فيه الإرسالُ وما جرى بـينَه وبـينَ قومِه من الأقوالِ والأحوالِ. وقيل: انتصابُ لوطاً بإضمارِ اذكُر، وإذْ بدلٌ منه، وقيل: بالعطفِ على الذين آمنُوا أي وأنجينا لوطاً وهو بعيدٌ { أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ } أي الفعلةَ المتناهيةَ في القبحِ والسَّماجةِ. وقولُه تعالى: { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } جملةٌ حاليةٌ من فاعلِ تأتُون مفيدةٌ لتأكيدِ الإنكارِ وتشديدِ التَّوبـيخِ، فإنَّ تعاطيَ القبـيحِ من العِالمِ بقُبحه أقبحُ وأشنعُ. وتُبصرون من بصرِ القلبِ أي أتفعلونَها والحال أنَّكم تعلمون علماً يقينياً بكونِها كذلك وقيل: يبصرُها بعضُكم من بعضٍ لما كانُوا يُعلنون بَها.