الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ }

{ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } أي شياطينُه الذين كانوا يُغوونهم ويُوسوسون إليهم ويسوِّلون لهم ما هم عليه من عبادةِ الأصنام وسائر فنون الكُفر والمعاصي ليجتمعُوا في العذاب حسبما كانُوا مجتمعين فيما يُوجبه وقيل: متبعوه من عصاة الثَّقلينِ والأوَّلُ هو الوجهُ { أَجْمَعُونَ } تأكيدٌ للضَّميرِ ما عُطف عليه وقوله تعالى:

{ قَالُواْ } الخ استئنافٌ وقع جواباً عن سؤال نشأَ من حكاية حالِهم كأنَّه قيل ماذا قالوا حينَ فُعل بهم ما فُعل فقيل قال العَبَدةُ { وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } أي قالوا معترفين بخطئِهم في انهماكِهم في الضَّلالةِ متحسَّرين معيِّرين لأنفسهم والحال أنَّهم في الجحيم بصددِ الاختصام مع من معهم من المذكورينَ مخاطبـين لمعبودِيهم على أنَّ الله تعالى يجعلُ الأصنامَ صالحةً للاختصام بأنْ يُعطيها القدرةَ على الفهم والنُّطقِ.

{ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } إنْ مخفَّفةٌ من الثَّقيلةِ قد حُذف اسمها الذي هو ضمير الشَّأنِ واللام فارقةٌ بـينهما وبـين النَّافيةِ أي إنَّ الشَّأنَ كُنَّا في ضلال واضح لا خفاءَ فيه ووصفهم له بالوضوح للإشباع في إظهار ندمهم وتحسُّرهم وبـيان عِظَمِ خطئهم في رأيهم مع وضوح الحقِّ كما ينبىءُ عنه تصديرُ قَسَمهم بحرف التَّاءِ المُشعرةِ بالتَّعجُّبِ.

وقوله تعالى: { إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ظرفٌ لكونهم في ضلالٍ مبـين وقيل لما دل عليه الكلام أي ضللنا وقيل للضَّلال المذكورِ وإن كان فيه ضعفٌ صناعيٌّ من حيث إنَّ المصدرَ الموصوفَ لا يعمل بعد الوصف، وقيل: ظرفٌ لمبـين. وصيغةُ المضارعِ لاستحضار الصُّورةِ الماضية أي تالله لقد كُنَّا في غاية الضَّلالِ الفاحش وقت تسويتنا إيَّاكُم أيُّها الأصنامُ في استحقاقِ العبادة بربِّ العالمين الذي أنتمُ أدنى مخلوقاتِه وأذلُّهم وأعجزُهم.

وقولهم { وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } بـيتمٌ لسبب ضلالهم بعد اعترافِهم بصدوره عنهم لكن لا على معنى قصرِ الإضلال على المُجرمين دونَ منَ عداهم بل على مَعنى قصر ضلالِهم على كونه بسببِ إضلالِم من غير أنْ يستقلُّوا في تحقُّقهِ أو يكون بسبب إضلال الغيرِ كأنَّه قيل: وما صدرَ عنَّا ذلك الضَّلالُ الفاحش إلا بسبب إضلالِهم. والمرادُ بالمجرمين الذين أضلُّوهم رُؤساؤُهم وكُبراؤُهم، كما في قولِه تعالى:رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } [سورة الأحزاب: الآية 67] وعن السُّدِّيِّ رحمه الله: الأَوَّلُون الذين اقتدَوا بهم. وأيَّا ما كان ففيه أوفرُ نصيب من التَّعريضِ للذين قالُوا بل وجدنا آباءَنا كذلك يفعلون وعن ابنِ جُريجٍ: إبليسُ وابنُ آدمَ القاتلُ لأنَّه أوَّلُ من سَنَّ القتلَ وأنواعَ المعاصِي.