الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

{ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } بإطباقِه عليهم.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي في جميعِ ما فُصِّل ممَّا صدرَ عن مُوسى عليه السَّلامُ وظهر على يديهِ من المعجزاتِ القاهرةِ وممَّا فعلَ فرعونُ وقومُه من الأقوالِ والأفعالِ وما فُعل بهم من العذاب والنَّكالِ. وما في اسم الإشارةِ من معنى البُعد لتهويل أمرِ المُشار إليهِ وتفظيعِه كتنكير الآيةِ في قوله تعالى { لآيَةً } أي أيّة آيةٍ أو أيةً عظيمة لا تكادُ تَوصف موجبة لأنْ يعتبرَ بها المعتبرون ويقيسُوا شأنَ النبـيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بشأنِ مُوسى عليه السَّلامُ وحالَ أنفسِهم بحالِ أولئك المُهَلكين ويجتنبُوا تعاطيَ ما كانُوا يتعاطَونه من الكفرِ والمَعَاصي ومخالفةِ الرَّسُولِ ويُؤمنوا بالله تعالى ويُطيعوا رسولَه كيلا يحلَّ بهم مثلُ ما حلَّ بأولئك أو إنَّ فيما فُصِّل من القصَّةِ من حيثُ حكايتُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إيَّاها على ما هيَ عليه من غيرِ أنْ يَسمعها من أحدٍ لآيةً عظيمةً دالَّة على أنَّ ذلك بطريقِ الوحيِ الصَّادقِ موجبةً للإيمانِ بالله تعالى وَحْدَهُ وطاعةِ رسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ } أي أكثرُ هؤلاءِ الذينَ سمعُوا قصَّتهم منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { مُّؤْمِنِينَ } لا بأنْ يقيسُوا شأنَه بشأن مُوسى عليهما السَّلامُ وحالَ أنفسِهم بحال أولئك المكذِّبـين المهلكينَ ولا بأنْ يتدبَّروا في حكايتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لقصتهم من غيرِ أنْ يسمعها من أحدٍ مع كونِ كلَ من الطَّريقينِ مَّما يُؤدِّي إلى الإيمان قطعاً، ومعنى ما كان أكثرُهم مؤمنين على أنَّ كانَ زائدة كما هو رأيُ سيبويهِ فيكون كقولِه تعالى:وَمَا أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [سورة يوسف: الآية 103] وهو إخبارٌ منه تعالى بما سيكونُ من المُشركينَ بعدما سمعُوا الآياتِ النَّاطقةَ بالقصَّة تقريراً لما مرَّ من قولِه تعالى:مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُواْ } [سورة الشعراء: الآية 5] الخ وإيثارُ الجملة الاسميَّةِ للدِّلالةِ على استقرارهم على عدمِ الإيمانِ واستمرارهم عليه ويجوزُ أن يجعلَ كان بمعنى صَار كما فعل ذلك في قوله تعالى:وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [سورة ص: الآية 74] فالمَعْنى وما صار أكثرُهم مؤمنين مع ما سمعُوا من الآية العظيمة الموجبة له بما ذُكر من الطَّريقينِ فيكون الإخبارُ بعدم الصَّيرورةِ قبل الحدوث للدِّلالةِ على كمالِ تحقُّقهِ وتقرّره كقولِه تعالى:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [سورة النحل: الآية 1] الآيةَ.

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالبُ على كلِّ ما يريدُه من الأمور التي من جُملتها الانتقام من المكذِّبـين. { ٱلرَّحِيمِ } المبالغُ في الرَّحمة ولذلك يُمهلهم ولا يعجَّلُ عقوبتَهم بعدم إيمانهم بعد مُشاهدة هذه الآية العظيمة بطريقِ الوحيِ مع كمال استحقاقِهم لذلك. هذا هو الذي يقتضيهِ جزالةُ النَّظمِ الكريمِ من مطلع السُّورةِ الكريمةِ إلى آخر القِصص السبع بل إلى آخرِ السُّورةِ الكريمةِ اقتضاءً ببِّناً لا ريبَ فيه وأمَّا ما قيل مِنْ أنَّ ضميرَ أكثرُهم لأهل عصرِ فرعونَ من القبطِ وغيرِهم وأنّ المعنى وما كان أكثرُ أهل مصرَ مؤمنين حيثُ لم يؤمن منهم إلا آسيةُ وحِزقيلُ ومريمُ ابنةُ يامُوشاً التي دلَّتْ على تابوتِ يوسفَ عليه السَّلامُ.

السابقالتالي
2