الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ طسۤمۤ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }

{ طسم } بتفخيمِ الألف وبإمالتِها وإظهارِ النُّونِ وبإدغامِها في الميمِ، وهو إمَّا مسرودٌ على نمطِ التَّعديدِ بطريقِ التَّحدِّي على أحدِ الوجهينِ المذكُورينِ في فاتحةِ سُورة البقرةِ فلا محلَّ له من الإعرابِ وإمَّا اسمٌ للسُّورةِ كما عليه إطباقُ الأكثرِ فمحلُّه الرَّفعُ على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ وهو أظهرُ من الرَّفع على الابتداءِ وقد مرَّ وجهُه في مطلعِ سُورة يونسَ عليه السَّلامُ. أو النَّصبُ بتقديرِ فعلٍ لائقٍ نحوِ اذكُر أو اقرأْ. وتلكَ في قولِه تعالى: { تِلْكَ ءايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } إشارةٌ إلى السُّورة سواءٌ كانَ طسم مسرُوداً على نمط التَّعديدِ أو اسماً للسُّورة حسبما مرَّ تحقيقُه هناك، وما في اسمِ الإشارةِ من معنى البُعدِ للتَّنبـيهِ على بُعدِ منزلةِ المُشارِ إليه في الفخامةِ ومحلُّه الرَّفعُ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه ما بعَدُه وعلى تقديرِ كونِ طسم مبتدأً فهو مبتدأٌ ثانٍ أو بدلٌ من الأَّولِ، والمرادُ بالكتابِ القرآنُ وبالمبـينِ الظَّاهرُ إعجازُه على أنَّه من أبانَ بمعنى بانَ، أو المُبـينُ للأحكامِ الشَّرعيةِ وما يتعلَّقُ بها أو الفاصلُ بـين الحقِّ والباطلِ والمعنى هي آياتٌ مخصُوصةٌ منه مترجمةٌ باسمِ مستقلَ. والمرادُ ببـيانُ كونِها بعضاً منُهُ وصفاً بما اشتُهر به الكُلُّ من النُّعوتِ الفاضلةِ.

{ لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } أي قاتلٌ. وأصلُ البَخعِ أنْ يبلغَ بالذَّبحِ النُّخاعَ، وهو عرقٌ مستبطنُ الفقارِ وذلك أقصى حدِّ الذَّبحِ. وقُرىء باخِعُ نفسِك على الإضافةِ ولعلَّ للإشفاقِ أي أشفقْ على نفسِك أنْ تقتلَها حسرةً على ما فاتَك من إسلامِ قومِك { أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي لعدمِ إيمانِهم بذلكَ الكتابِ المبـينِ أو خيفةَ أنْ لا يُؤمنوا به.

وقوله تعالى: { إِن نَّشَأْ } الخ استئنافٌ مسوق لتعليلِ ما يُفهم من الكلام من النَّهي عن التَّحسرِ المذكور ببـيانِ أنَّ إيمانَهم ليس ممَّا تعلَّقتْ به مشيئةُ الله تعالى حتماً فلا وجهَ للطَمعِ فيه والتَّألمِ من فواتِه. ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ لكونه مضمونَ الجزاءِ أعني قوله تعالى: { نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ ٱلسَّمَاء ءايَةً } أي ملجئةً لهم إلى الإيمانِ قاسرةً عليه وتقديمُ الظَّرفينِ على المفعول الصَّريحِ لما مرَّ مراراً من الاهتمامِ بالمقدَّمِ والتَّشويقِ إلى المؤخَّرِ { فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } أي مُنقادين. وأصلُه فظلوا لها خاضعين فأُقحمت الأعناقُ لزيادةِ التَّقريرِ ببـيانِ موضعِ الخضوعِ وتُرك الخبرُ على حالِه. وقيل لمَّا وُصفت الأعناقُ بصفاتِ العُقلاء أُجريتْ مجراهم في الصِّيغةِ أيضاً كما في قولِه تعالى:رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ } [سورة يوسف: الآية 4] وقيل: أُريد بها الرُّؤساءُ والجماعاتُ من قولِهم جاءنا عنقٌ من النَّاسِ أي فوجٌ منهم. وقُرىء خاضعةً. وقولُه تعالى: فظلَّتْ عطفٌ على ننزِّل باعتبارِ محلِّه.