الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }

{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلْتَ } يعني قتلَ القبطيِّ بعد ما عدَّد عليه نعمتَهُ من تربـيته وتبليغِه مبلغَ الرِّجالِ وبَّخه بَما جَرَى عليه من قتلِ خبَّازِه وعظَّم ذلك وفظَّعه. وقُرىء فِعلتك بكسر الفاء لأنَّها كانتْ نَوْعاً من القتل { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي بنعمتي حيثُ عمدتَ إلى قتلِ رجلٍ من خواصّي أو أنت حينئذٍ ممَّن تكفِّرهم الآنَ وقد افترى عليهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أو جهلَ أمره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حيثُ كان يُعايشهم بالتَّقيةِ وإلا فأينَ هُو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من مشاركتِهم في الدِّينِ فالجملةُ حينئذٍ حالٌ من إحدى التَّاءينِ ويجوزُ أنْ يكونَ حُكماً. مُبتدأ عليه بأنَّه من الكافرينَ بإلهيته أو ممَّن يكفرُون في دينِهم حيثُ كانتْ لهم آلهةٌ يعبدونها أو من الكافرين بالنِّعم المعتادين لغمطها ومنِ اعتادَ ذلك لا يكونُ مثلُ هذه الجنايةِ بدعاً منْهُ.

{ قَالَ } مجُيباً له مصدِّقاً له في القتلِ ومكذِّباً فما نسبه إليه من الكفر { فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ } أي من الجاهلينَ وقد قُرىء كذلك لا من الكافرينَ كما زعمت افتراءً أي من الفاعلين فعلَ الجهالةِ والسُّفهاءِ أو من المخطئين لأنَّه لم يتعمَّد قتلَه بل أرادَ تأديبَه أو الذَّاهبـين عمَّا يُؤدِّي إليه الوكز أو الناسين كقوله تعالى:أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } [سورة البقرة: الآية 282] { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ } إلى ربـيِّ { لَمَّا خِفْتُكُمْ } أنْ تُصيبوني بمضمرةٍ وتؤاخذوني بما لا أستحقُّه بجنايتي من العقابِ { فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً } أي حكمةً أو نبُّوةً { وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } رد أولاً بذلك ما وبَّخه به قدحاً في نبُّوته ثم كرَّ على ما عده عليه من النِّعمةِ ولم يصرِّحْ بردِّه حيثُ كان صدقاً غيرَ قادحٍ في دعواه بل نبَّه على أنَّ ذلك كان في الحقيقةِ نعمةً فقال: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرٰءيلَ } أي تلك التربـيةُ نعمةٌ تمنُّ بها عليَّ ظاهراً وهي في الحقيقةِ تعبـيدُك بني إسرائيلَ وقصدُك إيَّاهم بذبحِ أبنائِهم فإنَّه السببُ في وقوعي عندكَ وحصولي في تربـيتِك وقيل: إنه مقدَّرٌ بهمزةِ الإنكار أي: أوَ تلك نعمة تمنُّها عليَّ وهي أنْ عبَّدتَ بني إسرائيلَ ومحلُّ أنْ عبَّدتَ الرُّفعُ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٌ أو بدلٌ من نعمةٌ، أو الجرُّ بإضمارِ الباءِ، أو النَّصبُ بحذفهِا وقيل: تلك إشارةٌ إلى خصلةٍ شنعاءَ مبهمةٍ وأنْ عبَّدتَ عطفُ بـيانٍ لها والمعنى تعبـيدُك بني إسرائيلَ نعمةٌ تمنُّها عليَّ. وتوحيدُ الخطابِ في تمنُّها وجمعه فيما قبلَه لأن المنة منه خاصَّة والخوفُ والفرارُ منه ومن ملئِه.