الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } * { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } * { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } * { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } * { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } * { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَـٰطِينُ } ردٌّ لما زعمه الكفرةُ في حقِّ القرآنِ الكريمِ من أنه من قبـيلِ ما يُلقيه الشَّيطانُ على الكَهنةِ بعد تحقيقِ الحقِّ ببـيان أنه نزل به الرُّوحُ الأمينُ.

{ وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ } أي وما يصحُّ وما يستقيمُ لهم ذلك { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } ذلك أصلاً.

{ إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ } لكلامِ الملائكةِ { لَمَعْزُولُونَ } لاتنفاءِ المشاركةِ بـينهم وبـين الملائكةِ في صفاء الذَّواتِ والاستعداد لقبولِ فيضان أنوار الحقِّ والانتقاش بصور العلومِ الرَّبانيةِ والمعارف النُّورانيةِ، كيف لا ونفوسُهم خبـيثةٌ ظلمانية شريرةٌ بالذَّاتِ غير مستعدة إلا لقبولِ ما لا خيرَ فيه أصلاً من فنُون الشُّرورِ فمن أين لهم أنْ يحومُوا حولَ القرآن الكريم المنطوي على الحقائقِ الرَّائقةِ الغيبَّـيةِ التي لا يمكن تلقِّيها إلا من الملائكةِ عليهم الصَّلاة والسَّلام.

{ فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } خُوطب به النبـيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ تهيـيجاً وحثاً على ازديادِ الإخلاصِ ولطفاً لسائرِ المكلَّفين ببـيانِ أنَّ الإشراكَ من القُبح والسُّوء بحيث يُنهى عنه مَن لا يمكن صدورُه عنه فكيفَ بمن عداهُ.

{ وَأَنذِرِ } العذابَ الذي يستتبعهُ الشِّركُ والمُعاصي { عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } الأقربَ منهم فالأقربَ فإنَّ الإهتمامَ بشأنِهم أهمُّ.

رُوي أنَّه لمَّا نزلتْ صعدَ الصَّفا وناداهم فَخِذاً فَخِذاً حتى اجتمعُوا إليه فقال: " " لو أخبرتُكم أنَّ بسفح هذا الجبلِ خيلاً أكنتُم مُصدِّقِيّ " قالوا: نعمَ، قال: " فإنيِّ نذيرٌ لكم بـين يَديَّ عذابٍ شديدٍ " ورُوي أنَّه قال: " يابني عبدِ المطَّلبِ يا بني هاشمِ يا بني عبدِ منافٍ افتدُوا أنفسَكم من النَّارِ فإنِّي لا أُغني عنكم شيئاً " ثم قالَ: " يا عائشةُ بنت أبـي بكرٍ ويا حفصةُ بنتَ عمرَ ويا فاطمةُ بنتَ محمَّدٍ ويا صفيَّةُ عمَّة محمَّدٍ اشترينَ أنفسكنًّ من النَّارِ فإنِّي لا أُغني عنكُنَّ شيئاً ". { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي ليِّن جانَبك لهم. مستعارٌ من حال الطَّائرِ فإنَّه إذا أرادَ أنْ ينحطَّ خفضَ جناحَه، ومن للتَّبـيـين لأنَّ من اتبَّع أعمّ ممَّن اتبع لدينِ أو غيره أو للتَّبعيض على أن المراد بالمؤمنينَ المشارفون للإيمانِ أو المصدِّقون باللَّسانِ فحسب.