الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } * { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } * { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } * { ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ }

{ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } بقولهم:فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [سورة الأنفال: الآية 32] وقولهم:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } [سورة الأعراف: الآية 70. وهود: الآية 32, والأحقاف: الآية 22] ونحوهِما وحالهم عند نزولِ العذابِ كما وصف. من طلبِ الإنذارِ فالفاءُ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أيكونُ حالُهم كما ذُكر من الاستنظارِ عند نزول العذابِ الأليمِ فيستعجلون بعذابِنا وبـينهما من التَّنافي ما لا يَخفْى على أحدٍ أو أيغفلون عن ذلك مع تحقُّقِه وتقرُّرهِ فيستعجلونَ الخ. وإنَّما قُدمِّ الجارُّ والمجرورُ للإيذانِ بأنَّ مصبَّ الإنكارِ والتَّوبـيخِ كونُ السمتعجلِ به عذابَه تعالى مع ما فيهِ من رعايةِ الفواصلِ.

{ أَفَرَأَيْتَ } لمَّا كانت الرُّؤيةُ من أقوى أسبابِ الإخبارِ بالشَّيء وأَشهرِها شاعَ استعمالُ أرأيتَ في معنى أخبرني والخطابُ لكلِّ من يصلح له كائناً من كانَ والفاء لترتيب الاستخبار على قولهم هل نحن منظورون وما بـينَهما اعتراض للتَّوبـيخِ والتَّبكيتِ وهي متقدِّمةٌ في المعنى على الهمزةِ، وتأخيرها عنها صورةً لاقتضاءِ الهمزةِ الصَّدارةَ كما هو رأي الجمهور أي فاخبرنِي { إِن مَّتَّعْنَـٰهُمْ سِنِينَ } متطاولةً بطول الأعمار وطيبِ المعايشِ.

{ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } من العذابِ { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ } أيُّ شيءٍ أو أيُّ إغناء أغنى عنهم { مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } أي كونُهم ممتَّعينَ ذلك التمتيعَ المديدَ على أن ما مصدريةٌ أو ما كانُوا يمتَّعون به من متاعِ الحياة الدُّنيا على أنَّها موصولةٌ حذف عائدها، وأيَّاً ما كان فالاستفهامُ للإنكارِ والنَّفي. وقيل: ما نافيةٌ أي لم يُغن عنهم تمتعهم المتطاولُ في دفعِ العذابِ وتخفيفِه والأول هو الأَولى لكونِه أوفقَ لصورة الاستخبارِ وأدلَّ على انتفاءِ الإغناءِ على أبلغِ وجهٍ وآكدهِ كأن كلَّ مَن مِن شأنِه الخطابُ قد كلِّف أنْ يخبر بأنَّ تمتيعهم ماذا أفادَهم وأي شيء أغنى عنُهم فلم يقدرْ أحدٌ على أنْ يخبر بشيءٍ من ذلك أصلاً. وقُرىء يمتعون من الإمتاعِ.

{ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } من القُرى المهلكة { إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } قد أنذروا أهلَها إلزاماً للحجَّةِ.

{ ذِكْرِى } أي تذكرةً ومحلُّها النصب على العلَّةِ أو المصدر لأنَّها في معنى الإنذارِ كأنَّه قيل مذكرون ذكرىٰ أو على أنَّه مصدرٌ مؤكِّدٌ لفعل هو صفةٌ لمنذرون أي إلا لها منذرون يذكرونهم ذكرى أو الرَّفع على أنَّها صفةُ منذرون بإضمار ذوو أو بجعلِهم ذكرى لإمعانِهم في التَّذكرةِ أو خبر مبتدأ محذوفٍ والجملةُ اعتراضيةٌ وضميرُ لها للقُرى المدلولِ عليها بمفردِها الواقع في حيِّز النَّفي على أنَّ معنى أن الكل منذرين أعمُّ من أن يكونَ لكلِّ قريةٍ منها منذر واحد أو أكثر { وَمَا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } فنهلك غيرَ الظَّالمينَ وقيل: الإنذارُ والتَّعبـيرُ عن ذلك بنفي الظَّالميةِ مع أنَّ إهلاكَهم قبل الإنذارِ ليس بظلمٍ أصلاً على ما تقرَّر من قاعدةِ أهلِ السُنَّةِ لبـيانِ كمال نزاهتِه تعالى عن ذلك بتصويرِه بصورةِ ما يستحيلُ صدورُه عنه تعالى من الظلم وقد مرَّ في سورةِ آلِ عمرانَ عند قوله تعالى:وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } [سورة آل عمران: الآية 182, الأنفال: الآية 51, الحج: الآية 10].