الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ }

{ قَوْمِ فِرْعَونَ } بدلٌ من الأَوَّلِ، أو عطفٌ بـيانٍ له جيء به للإيذانِ بأنَّهم عَلَمٌ في الظُّلم كأنَّ معنى القومِ الظَّالمينَ وترجمتَهُ قومُ فرعونَ. والاقتصارُ على ذكرِ قومِه للإيذانِ بشهرةِ أنَّ نفسَه أَوَّلُ داخلٍ في الحُكم { أَلا يَتَّقُونَ } استئنافٌ جيء به إثرَ إرسالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إليهم للإنذارِ تعجيباً من غُلوِّهم في الظُّلم وإفراطِهم في العُدوان. وقُرىء بتاء الخطابِ على طريقة الالتفاتِ المنبـىءِ عن زيادة الغَضَبِ عليهم كأنَّ ذكرَ ظُلمِهم أدَّى إلى مشافهتِهم بذلك وهُم وإن كانُوا حينئذٍ غُيّباً لكنَّهم قد أُجروا مجرى الحاضرين في كلام المُرسل إليهم من حيثُ إنَّه مبلغه إليهم وإسماعُه مبتدأُ إسماعِهم مع ما فيه من مزيد الحثِّ على التقوى لمن تدبَّر وتأمَّل. وقُرىء بكسرِ النُّونِ اكتفاءً به عن ياء المتكلِّم وقد جُوِّزَ أنْ يكونَ بمعنى ألا يا ناسُ اتقَّون نحو ألاّ يسجدُوا.

{ قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من حكاية ما مَضَى كأنَّه قيل: فماذا قال مُوسى عليه السَّلامُ فقيل قال متضرِّعاً إلى الله عزَّ وجلَّ { رَبّ إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } من أوَّلِ الأمرِ { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } معطوفانِ على أخافُ { فَأَرْسِلْ } أي جبريلَ عليه السَّلامُ { إِلَيَّ هَـٰرُونَ } ليكونَ معي وأتعاضدُ به في تبليغِ الرِّسالة رتَّب عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ استدعاءَه ذلك على الأمورِ الثَّلاثةِ: خوفُ التَّكذيبِ وضيقُ الصَّدرِ وازديادُ ما كان فيه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من حَبسةِ اللِّسان بانقباضِ الرُّوحِ إلى باطنِ القلبِ عند ضيقِه بحيث لا ينطقُ لأنَّها إذا اجتمعتْ تمسُّ الحاجةُ إلى معينٍ يُقوِّي قلبه وينوبُ منابَه إذا اعتراهُ حبسةٌ حتَّى لا تختلَّ دعوتُه ولا تنقطعَ حجَّتُه، وليس هذا من التَّعلل والتَّوقف في تلقِّي الأمرِ في شيءٍ وإنَّما هو استدعاءٌ لما يُعينه على الامتثالِ به وتمهيدُ عذرٍ فيه. وقُرىء ويضيقَ ولا ينطلقَ بالنَّصبِ عطفاً على يكذِّبون فيكونانِ من جملةً ما يَخافُ منه.