الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ }

{ فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ } كما للمؤمنينَ من الملائكةِ والأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ.

{ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } كما نرى لهم أصدقاءَ أو فما لنا من شافعين ولا صديقٍ حميمٍ من الذين كنَّا نعدُّهم شفعاءَ وأصدقاءَ على أنَّ عدمَهما كنايةٌ عن عداوتِهما كما أنَّ عدمَ المحبَّةِ في مثل قوله تعالى:وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ } [سورة البقرة: الآية 205] كنايةٌ عن البُغضِ حسبما ينبىءُ عنه قوله تعالى:ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [سورة الزخرف: الآية 67] أو وقعنا في مهلكة لا يخلِّصتا منها شافعٌ ولا صديقٌ على أنَّ المرادَ بعدمهما عدمُ أثرهِما. وجمعُ الشَّافعِ لكثرة الشُّفعاءِ عادةً كما أنَّ إفرادَ الصَّديقِ لقلَّتهِ أو لصحَّةِ إطلاقِه على الجمعِ كالعدوِّ تشبـيهاً لهما بالمصادرِ كالحنينِ والقَبولِ وكلمةُ لو في قوله تعالى: { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } للتَّمنِّي كليتَ لما أنَّ بـينَ معنيـيهما تلاقياً في معنى الفرضِ والتَّقديرِ كأنَّه قيل فليتَ لنا كرَّةً أي رجعةً إلى الدُّنيا وقيل: هي علي أصلِها من الشَّرطِ وجوابُه محذوفٌ كأنَّه قيل فلو أنَّ لنا كرةً لفعلنا من الخيراتِ كيتَ وكيتَ ويأَّباهُ قوله تعالى: { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لتحتُّم كونِه جواباً للتَّمنِّي مُفيداً لترتُّبِ إيمانهم على وقوعِ الكَرَّةِ ألبتةَ بلا تخلفٍ كم هو مقتضى حالِهم، وعطفه على كرَّةً على طريقة [الوافر]
للُبسُ عباءةٍ وتقرَّ عينِي   [أحبُّ إليَّ مِن لُبسِ الشُّفوفِ]
كما يستدعيه كون لو على أصلها إنَّما يفيد تحقُّقَ مضمون الجوابِ على تقدير تحقُّقِ كرَّتِهم وإيمانهم معاً من غير دلالة على استلزامِ الكرَّة للإيمانِ أصلاً مع أنَّه المقصودُ حتماً.

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيما ذُكر من نبأ إبراهيمَ عليه السَّلامُ المشتملِ على بـيان بُطلانِ ما كان عليه أهلُ مكَّةَ من عبادةِ الأصنامِ، وتفصيلِ ما يؤول إليه أمرُ عَبَدتها يومَ القيامةِ من اعترافِهم بخطئِهم الفاحشِ وندمِهم وتحسُّرهم على ما فاتهم من الإيمان وتمنِّيهم الرَّجعةَ إلى الدُّنيا ليكونُوا من المؤمنين عند مشاهدتِهم لما أزلفت لهم جنَّاتُ النَّعيمِ وبُرِّزتْ لأنفسهم الجحيم وغشيهم ما غشيهم من ألوانِ العذابِ وأنواعِ العقابِ { لآيَةً } أي آية عظيمة لا يُقادرُ قَدرُها موجبةً على عبدة الأصنامِ كافَّةً لا سيَّما على أهلِ مكَّةَ الذين يدَّعُون أنَّهم على ملَّةِ إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنْ يجتنبُوا كلَّ الاجتنابِ ما كانُوا عليه من عبادتها خوفاً أنْ يحيقَ بهم مثلُ العذابِ بحكم الاشتراكِ فيما يُوجبه أو أن في ذكر نبئةِ وتلاوته عليهم على ما هُو عليه من غير أنْ تسمعه من أحدٍ لآيةً عظيمة دالَّة على أنَّ ما تتلوه عليهم وحيٌ صادقٌ نازلٌ من جهةِ الله تعالى موجبة للإيمان به قطعاً { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } أكثرُ هؤلاء الذين تتلُو عليهم النبأَ مؤمنين بل هم مُصرُّون على ما كانُوا عليه من الكُفرِ والضَّلالِ، وأمَّا أنَّ ضمير أكثرُهم لقومِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ كما توهَّمُوا فمما لا سبـيل إليه أصلاً لظهور أنَّهم ما ازدادوا بما سمعُوا منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلا طُغياناً وكفراً حتَّى اجترأوا على تلك العظيمةِ التي فعلُوها به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فكيف يعبَّر عنهم بعدم إيمان أكثرِهم وإنما آمنَ له لوطٌ فنجَّاهُما الله عزَّ وجلَّ إلى الشَّامِ وقد مرَّ بقيَّةُ الكلام في آخرِ قصَّةِ موُسى عليه السَّلامُ.