{ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } أي ما يتَّخذونك إلا مهزُوءاً به على معنى قصرِ معاملتِهم معه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على اتِّخاذِهم إيَّاهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هُزؤاً لا على معنى قصرِ اتِّخاذِهم على كونِه هُزؤاً كما هو المتبادرُ من ظاهر العبارةِ كأنَّه قيل: ما يفعلون بك إلا اتِّخاذَك هزواً وقد مرَّ تحقيقُه في قولِه تعالى:{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } من [سورة الأنعام: الآية 6] وقوله تعالى: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِى بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } محكيٌّ بعد قول مضمر هو حالٌ من فاعلِ يتَّخذونك أي يستهزئون بك قائلينَ أهذا الذي الخ والإشارةُ للاستحقارِ وإبراز بعث الله رسولاً في معرض التَّسليمِ بجعله صلةً للموصول الذي هو صفتُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع كونِهم في غاية النَّكيرِ لبعثه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بطريقِ التَّهكُّمِ والاستهزاءِ وإلاَّ لقالُوا أبعثَ الله هذا رسولاً أو أهذا يزعمُ أنَّه بعثه الله رسولاً. { إِن كَادَ } إنْ مخففةٌ مِن إنَّ. وضميرُ الشَّأنِ محذوفٌ أيْ إنَّه كادَ. { لَيُضِلُّنَا عَنْ ءالِهَتِنَا } أي ليصرفنا عن عبادتِها صرفاً كليَّاً بحيث يُبعدنا عنها لا عن عبادتِها فقط، والعدولُ إلى الإضلال لغاية ضلالِهم بادَّعاء أنَّ عبادتَها طريقٌ سويٌّ. { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ثبتْنا عليها واستمسكنَا بعبادتِها. ولولا في أمثال هذا الكلامِ تجري مجَرى التَّقيـيدِ للحكم المطلقِ من حيثُ المعنى كما أشار إليه في قوله تعالى:{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } [سورة يوسف: الآية 24] الخ وهذا اعترافٌ منهم بأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قد بلغ من الاجتهادِ في الدَّعوةِ إلى الحقِّ وإظهارِ المعجزاتِ وإقامةِ الحججِ والبـيِّناتِ إلى حيثُ شارفُوا أنْ يتركُوا دينَهم لولا فرطُ لجَاجِهم وغايةُ عنادِهم. يُروى أنَّه من قولِ أبـي جهلٍ { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } جوابٌ من جهته تعالى لآخرِ كلامِهم وردٌّ لما ينبىءُ عنه من نسبته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى الضَّلالِ في ضمن الإضلال أي سوف يعلمونَ البتةَ وإنْ تراخىٰ { حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } الذي يستوجبُه كفرُهم وعنادُهم { مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } وفيه ما لا يخفى من الوعيدِ والتَّنبـيهِ على أنَّه تعالى لا يُهملهم وإنْ أمهلهم. { أَرَءيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من شناعةِ حالِهم بعد حكاية قبائحِهم من الأقوالِ والأفعالِ وبـيانِ ما لهم من المصيرِ والمآلِ وتنبـيهٌ على أنَّ ذلك من الغرابةِ بحيث يجبُ أنْ يرى ويتعجَّبَ منه. وإلههَ مفعول ثانٍ لاتَّخذ قُدِّم على الأوَّلِ للاعتناء به لأنَّه الذي يدورُ عليه أمرُ التَّعجيبِ. ومَن توهَّم أنهما على التَّرتيبِ بناء على تساويهما في التَّعريفِ فقد زلَّ منه أنَّ المفعولَ الثَّانِي في هذا الباب هو المتلبِّسُ بالحالة الحادثِة أي أرأيتَ مَن جعلَ هواهُ إلهاً لنفسهِ من غير أنْ يلاحظه وبنى عليه أمرَ دينِه مُعرِضاً عن استماع الحجَّةِ الباهرة والبُرهان النيِّرِ بالكلِّيةِ على معنى انظُر إليه وتعجَّب منه. وقولُه تعالى: { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } إنكارٌ واستبعادٌ لكونه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حفيظاً عليه يزجرُه عمَّا هو عليه من الضَّلالِ ويُرشده إلى الحقَ طوعاً أو كَرهاً. والفاءُ لترتيب الإنكارِ على ما قبله من الحالةِ المُوجبةِ له كأنَّه قيل أبعد ما شاهدت غلوَّه في طاعة الهوى وعتوَّه عن اتباع الهُدى تقسره على الإيمان شاء أو أَبَى.