الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }

{ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } من الأمثالِ التي من جُملتها ما حُكي من اقتراحاتِهم القبـيحةِ الخارجةِ عن دائرةِ العقولِ الجاريةِ لذلك مجرى الأمثالِ أي لا يأتونَك بكلامٍ عجيبٍ هو مَثَلٌ في البُطلان يريدون به القَدْحَ في حقِّك وحقِّ القُرآنِ { إِلاَّ جِئْنَـٰكَ } في مُقابلتِه { بِٱلْحَقّ } أي بالجوابِ الحقِّ الثَّابتِ الذي ينْحي عليه بالإبطالِ ويَحسمُ مادَّةَ القِيلِ والقالِ كما مرَّ من الأجوبةِ الحقَّةِ القالعةِ لعروقِ أسئلتِهم الشَّنيعةِ الدَّامغةِ لها بالكُلِّيةِ. وقوله تعالى: { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } عطفٌ على الحقِّ أي جئناك بأحسنَ تفسيراً أو على محلِّ بالحقِّ أي آتيناك الحقِّ وأحسنَ تفسيراً أي بـياناً وتفصيلاً على معنى أنَّه في غاية ما يكونُ من الحُسنِ في حدِّ ذاته لا أنَّ ما يأتون به له حَسنٌ في الجملة وهذا أحسنُ منه كما مرَّ. والاستثناءُ مفرَّغٌ محلُّه النَّصبُ على الحاليَّةِ أي لا يأتونك بمَثَلٍ إلا حال إيتائنا إيَّاك الحقَّ الذي لا محيدَ عنه وفيه من الدَّلالةِ على المُسارعة إلى إبطالِ ما أَتَوا به تثبـيت فؤداه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما لا يخفى، وهذا بعبارته ناطقٌ ببطلان جميع الأسئلة وبصحَّةِ جميع الأجوبة وبإشارته منبىءٌ عن بُطلانِ السُّؤالِ الأخير وصحَّةِ جوابِه إذْ لولا أنَّ تنزيلَ القرآن على التَّدريجِ لما أمكن إبطالُ تلك الاقتراحاتِ الشَّنيعةِ ولما حصل تثبـيتُ فؤادِه عليه الصَّلاة والسَّلام من تلك الحيثيَّةِ هذا وقد جُوِّز أن يكون المَثَلُ عبارةً عن الصِّفةِ الغريبةِ التي كانُوا يقترحون كونَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عليها من مقارنة الملكِ والاستغناء عن الأكل والشُّربِ وحيازة الكنز والجنَّة ونزول القرآن عليه جملةً واحدةً على معنى لا يأتونك بحال عجيبة يقترحون اتِّصافك بها قائلين هلاَّ كان على هذه الحالة إلا أعطيناك نحنُ من الأحوال الممكنة ما يحقُّ لك في حكمتِنا ومشيئتنا أنْ تُعطاهُ وما هو أحسنُ تكشيفاً لما بُعثت عليه ودلالةً على صحَّته وهو الذي أنتَ عليه في الذَّاتِ والصِّفاتِ ويأباهُ الاستثناءُ المذكور فإنَّ المتبادر منه أنْ يكون ما أعطاه الله تعالى من الحقِّ مترتباً على ما أتوَا به من الأباطيلِ دامغاً لها ولا ريبَ في أنَّ ما آتاه الله تعالى من المَلَكاتِ السَّنيةِ اللاَّئقةِ بالرَّسالة قد أتاه من أوَّلِ الأمر لا بمقابلة ما حُكي عنهم من الاقتراحات لأجلِ دمغها وإبطالِها.