الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً }

{ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } استئنافٌ مسوقٌ لبـيانِ ما يلقَونه عند مشاهدتِهم لما اقترحُوه من نزول الملائكةِ عليهم السَّلامُ بعد استعظامِه وبـيانِ كونِه في غاية ما يكون من الشَّناعة وإنمَّا قيلَ يوم يَرَون دُون أنْ يقالَ يومَ ينزلُ الملائكةُ إيذاناً من أوَّلِ الأمر بأنَّ رؤيتَهم لهم ليست على طريقِ الإجابةِ إلى ما اقترحُوه بل على وجهٍ آخرَ غيرِ معهودٍ. ويومَ منصوبٌ على الظَّرفية بما يدلُّ عليه قولُه تعالى { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ } فإنَّه في معنى لا يُبشَّر يومئذٍ المُجرمون والعُدولُ إلى نفيِ الجنسِ للمبالغةِ في نفيِ البُشرى. وما قيل: من أنَّه بمعنى يمُنعون البُشرى أو يعُدمونها تهوينٌ للخطيبِ في مقام التَّهويل فإنَّ منعَ البُشرى وفقدانُها مُشعرانِ بأنَّ هناك بُشرى يمنعونَها أو يفقِدونها. وأينَ هذا من نفيها بالكُليِّة وحيثُ كان نفيُها كنايةً عن إثباتِ ضدِّها كما أنَّ نفيَ المحبَّةِ في مثلِ قولِه تعالى:فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [سورة آل عمران, الآية 32] كنايةٌ عن البُغض والمَقْتِ دلَّ على ثبوت النَّذرى لهم على أبلغِ وجهٍ وآكدِه وقيل: منصوب بفعلٍ مُقدَّر يُؤكِّده بشرى على أنَّ لا غير نافية للجنسِ وقيل: منصوب على المفعوليَّةِ بمضمرٍ مقدَّمٍ عليه أي اذكُر يومَ رؤيتهم الملائكةَ ويومئذٍ على كلِّ حالٍ تكريرٌ للتأكيد والتَّهويلِ مع ما فيه من الإيذانِ بأنَّ تقديمَ الظَّرفِ للاهتمامِ لا لقصرِ نفيِ البُشرى على ذلك الوقتِ فقط فإنَّ ذلك مخلٌّ بتفظيعِ حالِهم، وللمجرمين تبـيـين على أنَّه مظهرٌ وُضع موضعَ الضَّميرِ تسجيلاً عليهم بالإجرام مع ما هم عليه من الكفر وحملُه على العموم بحيثُ يتناول فسَّاقَ المؤمنين ثم الالتجاءُ في إخراجِهم عن الحرمانِ الكليِّ إلى أنَّ نفيَ البُشرى حينئذٍ لا يستلزمُ نفيَه في جميعِ الأوقاتِ فيجوزُ أنْ يُبشَّروا بالعفوِ والشَّفاعةِ في وقتٍ آخرَ بمعزلٍ عن الحقِّ بعيدٍ { وَيَقُولُونَ } عطفٌ على ما ذُكر من الفعلِ المنفيِّ المنبىء عن كمال فظاعة ما يحيق بهم من الشر وغاية هول مطلعه بـيان أنهم يقولون عند مشاهدتِهم له { حِجْراً مَّحْجُوراً } وهي كلمةٌ يتكلَّمون بها عند لقاءِ عدوَ موتورٍ وهجومِ نازلةٍ هائلةٍ يضعونها موضعَ الاستعاذةِ حيثُ يطلبون من الله تعالى أن يمنعَ المكروه فلا يلحقهم فكان المَعنى نسألُ الله تعالى أنْ يمنعَ ذلك مَنْعاً ويحجُره حَجْراً و كسرُ الحاءِ تصرفٌ فيه لاختصاصِه بموضعِ واحدٍ كما في قِعدَك وعَمرَك. وقد قُرىء حُجْراً بالضمِّ والمعنى أنَّهم يطلبون نزولَ الملائكةِ عليهم السَّلامُ ويقترحونَه وهم إذا رَأوهم كرِهُوا لقاءهم أشدَّ كراهةٍ وفزعُوا منهم فزعاً شَديداً وقالوا ما كانوا يقولونَه عند نزولِ خطبٍ شنيعٍ وحلولِ بأسٍ شديدٍ فظيعٍ ومحجُوراً صفةٌ لحِجراً وإرادةٌ للتَّأكيدِ كما قالوا ذيلٌ ذَائلٌ وليلٌ أليلُ وقيل: يقولُها الملائكةُ إقناطاً للكَفَرةِ بمعنى حَراماً محرَّماً عليكم الغفرانُ أو الجنَّة أو البُشرى أي جعل الله تعالى ذلك حَرَاماً عليكم وليس بواضح.