الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لمَّا بُـيِّن حالَ من أطاعَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأُشير إلى فوزِه بالرَّحمةِ المُطلقة المستتبعةِ لسعادةِ الدَّارينِ عُقّب ذلك ببـيانِ حالِ مَن عصاهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ومآلِ أمرِه في الدُّنيا والآخرةِ بعد بـيانِ تناهيهِ في الفسقِ تكميلاً لأمرِ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ والخطاب إما لكلِّ أحد ممَّن يصلح له كائناً من كانَ وإمَّا للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على منهاج قوله تعالى:ولا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [يونس: 105] ونظائرِه للإيذانِ بأنَّ الحُسبانَ المذكورَ من القُبحِ والمحذوريَّةِ بحيث يُنهى عنه مَن يمتنعُ صدورُه عنه فكيف بمَن يمكن ذلك منه؟ ومحلُّ الموصولِ النَّصبُ على أنَّه مفعولٌ أوَّلٌ للحُسبانِ وقوله تعالى: { مُعَـٰجِزِينَ } ثانيهما وقوله تعالى: { فِى ٱلأَرْضِ } ظرفٌ لمعجزين لكن لا لإفادةِ كون الإعجاز المنفيّ فيها لا في غيرها فإن ذلك مما لا تحتاج إلى البـيان بل لإفادة شمولِ عدم الإعجازِ بجميعِ أجزائِها أي لا تحسبنَّهم مُعجزين الله عزَّ وجلَّ عن إدراكِهم وإهلاكِهم في قطرٍ من أقطارِ الأرضِ بما رحُبتْ وإنْ هربُوا منها كلَّ مهربٍ. وقُرىء لا يَحسَبنَّ بـياءِ الغَيبةِ على أنَّ الفاعلَ كلُّ أحدٍ والمعنى كما ذُكر أي لا يَحسبنَّ أحدٌ الكافرينَ معجزين له سبحانَهُ في الأرضِ أو هو الموصولُ والمفعولُ الأوَّلُ محذوفٌ لكونه عبارةً عن أنفسِهم كأنَّه قيل: لا يحسبنَّ الكافرونَ أنفسَهم مُعجزين في الأرضِ وأما جعلُ معجزين مفعولاً أوَّلَ وفي الأرضِ مفعولاً ثانياً فبمعزلٍ من المُطابقة لمقتضى المقامِ ضرورةَ أنَّ مصبَّ الفائدةِ هو المفعولُ الثَّاني ولا فائدةَ في بـيانِ كونِ المُعجزين في الأرضِ وقد مرَّ في قولِه تعالى:إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30] وقولِه تعالى: { وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } معطوفٌ على جملة النَّهيِ بتأويلِها بجُملةٍ خبريَّةٍ لأنَّ المقصودَ بالنَّهيِ عن الحُسبان تحقيقُ نفيِ الحُسبانِ كأنَّه قيل: ليسَ الذين كفرُوا مُعجزين ومأواهم الخ، أو على جملةٍ مقدَّرةٍ وقعتْ تعليلاً للنَّهيِ كأنَّه قيل: لا تحسبنَّ الذين كفرُوا معجزين في الأرضِ فإنَّهم مُدرَكُونَ ومأواهم الخ، وقيل: الجملةُ المقدَّرةُ بل هم مقهورون فتدبَّرْ { وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } جوابٌ لقسمٍ مقدَّرٍ والمخصوص بالذمِّ محذوفٌ أي وبالله لبئسَ المصيرُ هي أي النَّارُ والجملة اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقرِّرٌ لما قبله وفي إيراد النَّارِ بعنوان كونها مأوى ومصيراً لهم إثرَ نفيِ فَوتِهم بالهرب في الأرض كلَّ مهرَبٍ من الجَزَالة ما لا غايةَ وراءَهُ فللَّه درُّ شأنِ التَّنزيلِ.