الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } إنكارٌ واستقباحٌ لإعراضِهم المذكورِ وبـيانٌ لمنشئه بعد استقصاء عدَّةٍ من القبائح المحقَّقةِ فيهم والمتوقَّعةِ منهم وترديدِ المنشئية بـينها فمدارُ الاستفهام ليس نفسَ ما وليتْه الهمزةُ وأَمْ من الأمورِ الثَّلاثة بل هو منشئيتها له كأنَّه قيل: أذلك أي إعراضُهم المذكورُ لأنَّهم مرضى القلوبِ لكفرِهم ونفاقِهم.

{ أَمْ } لأنَّهم { ٱرْتَابُواْ } في أمر نُبوَّتِه عليه السَّلامُ مع ظهور حقيَّتِها { أَمْ } لأنَّهم { يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } ثمَّ أُضربَ عن الكلِّ وأُبطلت منشئيَّتُه وحُكم بأنَّ المنشأَ شيءٌ آخرُ من شنائعِهم حيثُ قيلَ: { بَلْ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي ليسَ ذلك لشيءٍ ممَّا ذُكر، أمَّا الأوَّلانِ فلأنَّه لو كان لشيءٍ منهما لأعرضُوا عنه عليه السَّلامُ عند كونِ الحقِّ لهم ولمَا أتَوا إليه عليه السَّلامُ مُذعنينَ لحُكمِه لتحقُّقِ نفاقِهم وارتيابِهم حينئذٍ أيضاً وأمَّا الثَّالثُ فلانتفائِه رأساً حيثُ كانُوا لا يخافون الحيفَ أصلاً لمعرفتِهم بتفاصيلِ أحوالِه عليه السَّلامُ في الأمانةِ والثَّباتِ على الحقِّ بل لأنَّهم هم الظالمون يُريدون أنْ يظلمُوا مَن له الحقُّ عليهم ويتمُّ لهم جحودُه فيأبون المحاكمةَ إليه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لعلمِهم بأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يقضي عليهم بالحقِّ فمناطُ النَّفيِ المُستفادِ من الإضراب في الأوَّلينِ هو وصف منشئيَّتِهما للإعراضِ فقط مع تحقُّقِهما في نفسِهما وفي الثَّالثِ هو الأصلُ والوصف جميعاً هذا وقد خُصَّ الارتيابُ بما له منشأٌ مصححٍ لعروضِه لهم في الجُملةِ والمعنى أمِ ارتابُوا بأنْ رَأَوا منه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تُهمةً فزالتْ ثقتُهم ويقينُهم به عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فمدارُ النَّفيِ حينئذٍ نفسُ الارتيابِ ومنشئيَّتُه معاً فتأمَّل فيما ذُكر على التَّفصيلِ ودَعْ عنك ما قيل وقيل حسبما يقتضيه النَّظرُ الجليلُ.

{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالنَّصبِ على أنَّه خبرُ كانَ، وأنْ مع ما في حيِّزِها اسمُها. وقُرىء بالرَّفعِ على العكسِ والأوَّلُ أقوى صناعةً لأنَّ الأَولى للاسميَّةِ ما هُو أوغلُ في التَّعريفِ وذلكَ هو الفعلُ المصدَّرُ بأَنْ إذْ لا سبـيلَ إليه للتَّنكيرِ بخلافِ قولَ المُؤمنين فإنَّه يحتملُه كما إذا اعتزلتْ عنه الإضافةُ، لكن قراءةُ الرَّفعِ أقعدُ بحسب المَعْنى وأوفى لمُقتضى المقام لما أنَّ مصبَّ الفائدةِ وموقعَ البـيانِ في الجُملِ هو الخبرُ فالأحقُّ بالخبريَّةِ ما هو أكثرُ إفادةً وأظهرُ دلالةً على الحدوثِ وأوفرُ اشتمالاً على نسبٍ خاصَّةٍ بعيدةٍ من الوقُوع في الخارج وفي ذهن السَّامعِ. ولا ريبَ في أنَّ ذلكَ هٰهُنا في أنَّ مع ما في حيِّزها أتمُّ وأكملُ فإذا هو أحقُّ بالخبريَّةِ، وأما ما تفيدُه الإضافةُ من النِّسبةِ المُطلقةِ الإجماليَّةِ فحيث كانتْ قليلةَ الجَدوى سهلةَ الحُصول خارجاً وذهناً كان حقُّها أنْ تُلاحظ ملاحظةً مجملةً وتجعلَ عُنواناً للموضوعِ فالمعنى إنَّما كانَ مطلقُ القولِ الصَّادرِ عن المؤمنين { إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ } أي الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { بَيْنَهُمْ } أي وبـين خصومِهم سواءً كانُوا منهم أو من غيرِهم { أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي خصوصية هذا القولِ المحكيِّ عنهم لا قولاً آخرَ أصلاً.

السابقالتالي
2