الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ } أي بغير استئذانٍ { بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } أي غيرَ موضوعةٍ لسكنى طائفةٍ مخصوصةٍ فقط بل ليتمتَّعَ بها من يُضطر إليها كائناً من كان من غير أنْ يتخذَها سكناً كالرُّبطِ والخَاناتِ والحوانيتِ والحمَّاماتِ ونحوِها فإنَّها معدَّةٌ لمصالح النَّاس كافَّة كما يُنبىء عنه قولُه تعالى: { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } فإنَّه صفةٌ للبـيوتِ أو استئنافٌ جارٍ مجرى التَّعليلِ لعدم الجُناح أي فيها حقُّ تمتعٍ لكم كالاستكنان من الحرِّ والبردِ وإيواءِ الأمتعةِ والرِّحالِ والشِّراءِ والبـيعِ والاغتسالِ وغيرِ ذلك ممَّا يليقُ بحال البُـيوت وداخليها فلا بأسَ بدخولها بغير استئذانٍ من داخليها من قبل ولا ممَّن يتولَّى أمرَها ويقومُ بتدبـيرها من قوام الرِّباطاتِ والخاناتِ وأصحابِ الحوانيتِ ومتصرِّفي الحمَّاماتِ ونحوِهم. ويُروى أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسولَ الله، إنَّ الله تعالى قد أنزل عليك آيةً في الاستئذان وإنَّا نختلفُ في تجاراتِنا فننزل هذه الخاناتِ أفلا ندخلها إلاَّ بإذنٍ؟ فنزلتْ. وقيل: هي الخَرِباتُ يُتبرَّزُ فيها والمتاع التَّبرزُ. والظَّاهر أنَّها من جُملة ما ينتظمه البـيوتُ لا أنها المرادةُ فقط. وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } وعيدٌ لمن يدخلُ مدخلاً من هذه المداخل لفسادٍ أو اطِّلاعٍ على عوراتٍ.

{ قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ } شروعٌ في بـيان أحكام كليَّة شاملة للمؤمنين كافَّة يندرج فيها حكمُ المستأذنين عند دخولِهم البـيوت اندراجاً أوليًّا. وتلوينُ الخطاب وتوجيهه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتفويضُ ما في حيِّزِه من الأوامر والنَّواهي إلى رأيِه عليه الصَّلاة والسَّلام لأنَّها تكاليفُ متعلِّقةٌ بأمورٍ جُزئيةٍ كثيرةِ الوقوعِ حقيقةٌ بأنْ يكون الآمرُ بها والمتصدِّي لتدبـيرها حافظاً ومُهيمناً عليهم. ومفعولُ الأمر أمرٌ آخرُ قد حُذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قُل لهم غُضُّواً { يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ } عمَّا يحرُم ويقتصروا به على ما يحلُّ { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } إلا على أزواجِهم أو ما ملكتْ أيمانُهم. وتقيـيدُ الغضِّ بمن التبعيضيَّةِ دونَ الحفظ لما في أمر النَّظر من السَّعةِ. وقيل: المرادُ بالحفظِ هٰهنا خاصَّة هو السِّترُ.

{ ذٰلِكَ } أي ما ذُكر من الغضِّ والحفظ { أَزْكَىٰ لَهُمْ } أي أطهرُ لهم من دنس الرِّيبة { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } لا يخفى عليه شيءٌ ممَّا يصدرُ عنهم من الأفاعيلِ التي من جُملتِها إحالةُ النَّظرِ واستعمالُ سائرِ الحواس وتحريك الجوارحِ وما يقصدون بذلك فليكونوا على حذرٍ منه في كلِّ ما يأتُون وما يذرُون.