{ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ } وصفهم بذلك بعد وصفهم بالخشوع في الصَّلاة للدِّلالة على أنَّهم بلغوا الغاية القاصية من القيام بالطَّاعات البدنيَّةِ والماليَّةِ والتَّجنبِ عن المحرَّمات وسائرِ ما تُوجب المروءةُ اجتنابَه. وتوسيطُ حديث الإعراضِ بـينهما لكمال مُلابسته بالخشوع في الصَّلاةِ. والزَّكاةُ مصدر لأنَّه الأمرُ الصَّادرُ عن الفاعل لا المحلُّ الذي هو موقعُه، ومعنى الفعلِ قد مرَّ تحقيقُه في تفسير قوله تعالى:{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } [البقرة: 24] ويجوزُ أنْ يُراد بها العينُ على تقدير المضاف. { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ } ممسكون لها فالاستثناءُ في قوله تعالى: { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ } من نفي الإرسالِ الذي ينبىءُ على الحفظُ أي لا يُرسلونها على أحدٍ إلاَّ على أزواجِهم وفيه إيذانٌ بأنَّ قوَّتهم الشَّهويَّة داعيةٌ لهم إلاَّ ما لا يخفى وأنَّهم حافظون لها من استيفاءِ مُقتضاها وبذلك يتحقَّقُ كمالُ العفَّةِ ويجوز أنْ تكون على بمعنى من وإليه ذهبَ الفرَّاءُ كما في قوله تعالى:{ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ } [المطففين: 2] أي حافظون لها من كلِّ أحدٍ إلا من أزواجِهم وقيل هي متعلِّقةٌ بمحذوفٍ وقع حالاً من ضمير حافظون أي حافظون لها في جميعِ الأحوال إلاَّ حالَ كونهم والينَ أو قوَّامين على أزواجِهم وقيل بمحذوفٍ يدلُّ عليه غيرَ ملُومين كأنَّه قيل يُلامون على كلِّ مباشرٍ إلاَّ على ما أُطلق لهم فإنَّهم غيرُ ملومين. وحملُ الحفظِ على القصر عليهنَّ ليكونَ المعنى حافظون فروجَهم على الأزواجِ لا يتعداهُنَّ ثمَّ يقال غير حافظينَ إلا عليهنَّ تأكيداً على تأكيدٍ تكلُّفٌ على تكلُّف { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } أي سراريهم عبَّر عنهنَّ بـ:(ما) إجراءً لهنَّ لمملوكيتهنَّ مُجرى غيرِ العُقلاءِ أو لأنوثتهنَّ المنبئةِ عن القُصورِ. وقوله تعالى: { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } تعليلٌ لما يفيده الاستثناءُ من عدم حفظ فروجهم منهنَّ أي فإنَّهم غيرُ ملومين على عدم حفظِها منهنَّ. { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ } الذي ذُكر من الحدِّ المتَّسعِ وهو أربعٌ من الحرائرِ أو مَا شاء من الإماءِ { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } الكاملونَ في العُدوانِ المتناهُون فيه وليس فيه ما يدلُّ حتماً على تحريمِ المتعةِ حسبما نُقل عن القاسمِ بن محمَّدٍ فإنَّه قال: إنَّها ليستْ زوجةً له فوجبَ ألاَّ تحلَّ له أمَّا أنَّها ليستْ زوجةً له فلأنَّهما لا يتوارثانِ بالإجماعِ ولو كانتْ زوجةً له لحصل التَّوارثُ لقوله تعالى:{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوٰجُكُمْ } [النساء: 12] فوجب أنْ لا تحلَّ لقوله تعالى:{ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ } [المؤمنون: 6] لأنَّ لهم أنْ يقولوا إنَّها زوجةٌ له في الجُملةِ، وأمَّا أنَّ كلَّ زوجةٍ ترثُ فهم لا يُسلِّمونها وأما ما قيل من أنَّه إنْ أُريد لو كانت زوجةً حالَ الحياةِ لم يُفِدْ وإنْ أُريدَ بعد الموتِ فالملازمةُ ممنوعةٌ فليس له معنى محصَّلٌ. نعم لو عُكسَ لكان له وجهٌ.