الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } * { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

{ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ } تكريرٌ لتأكيد البُعدِ أي بُعدِ الوقوع أو الصِّحةِ. { لِمَا تُوعَدُونَ } وقيل: اللامُ لبـيان المستبعَدِ ما هو كما فيهَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23] كأنَّهم لما صوَّتوا بكلمةِ الاستبعادِ قيل: لِمَ هذا الاستبعادُ؟ فقيل: لما تُوعدون. وقيل: هيهاتَ بمعنى البُعدِ وهو مبتدأٌ خبرُه لما تُوعدون. وقُرىء بالفتحِ مُنوَّناً للتَّنكيرِ، وبالضَّمِّ منوَّناً على أنَّه جمعُ هَيْهةٍ، وغيرَ منوَّن تشبـيهاً بقبلُ، وبالكسرِ على الوجهينِ، وبالسُّكون على لفظِ الوقفِ، وإبدالِ التَّاء هاءً.

{ إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } أصله إنْ الحياةُ إلاَّ حياتُنا. فأُقيم الضَّميرُ مُقامَ الأُولى لدلالة الثَّانيةِ عليها حَذَراً من التَّكرارِ، وإشعاراً بإغنائِها عن التَّصريحِ كما في: هي النَّفسُ تتحملُ ما حُمِّلتْ. وهي العربُ تقول ما شاءتْ وحيثُ كان الضَّميرُ بمعنى الحياةِ للدلالة على الجنسِ كانتْ إنِ النَّافيةُ بمنزلةِ لا النَّافيةِ للجنسِ. وقولُه تعالى: { نَمُوتُ وَنَحْيَا } جملةٌ مفسِّرةٌ لما ادَّعوه مِن أنَّ الحياةَ هي الدُّنيا أي يموتُ بعضُنا أو يُولد بعضٌ إلى انقراضِ العصرِ { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } بعد الموتِ.

{ إِنْ هُوَ } أي ما هُو { إِلاَّ رَجُلٌ ٱفتَرَىٰ عَلَىٰ ٱللَّهِ كَذِباً } فيما يدَّعيه من إرسالِه وفيما يَعدُنا من أنَّ الله يبعثُنا { وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ } بمصدِّقين فيما يقولُه.

{ قَالَ } أي هودُ عليه السَّلامُ عند يأسِه من إيمانهم بعد ما سلكَ في دعوتِهم كلَّ مسلكٍ منصرفاً إلى الله عَزَّ وجَلَّ { رَبّ ٱنصُرْنِى } وانتقم لي منهم { بِمَا كَذَّبُونِ } أي بسببِ تكذيبهم إيَّاي وإصرارِهم عليه.

{ قَالَ } تعالى إجابةً لدعائِه وعدةً بالقَبُول { عَمَّا قَلِيلٍ } أي عن زمانٍ قليلٍ وما مزيدةٌ بـين الجارِّ والمجرورِ لتأكيدِ معنى القلَّةِ كما زِيدتْ في قوله تعالى:فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 159] أو نكرةٌ موصوفةٌ أي عن شيءٍ قليلٍ { لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ } على ما فعلوه من التَّكذيب وذلك عند معاينتِهم للعذابِ.

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } لعلَّهم حين أصابتهم الرِّيحُ العقيمُ أُصيبوا في تضاعيفها بصيحةٍ هائلةٍ أيضاً. وقد رُوي أنَّ شدَّادَ بنَ عادٍ حين تمَّ بناءُ إرمَ سار إليها بأهلِه فلمَّا دنا منها بعثَ الله عليهم صيحةً من السَّماءِ فهلكُوا. وقيل: الصَّيحةُ نفسُ العذابِ والموتِ. وقيل: هي العذابُ المصطَلِمُ قال قائلُهم:
صاحَ الزَّمانُ بآلِ بَرمكَ صيحة   خَرُّوا لشدَّتِها عَلَى الأذقانِ
{ بِٱلْحَقّ } متعلِّقٌ بالأخذ أي بالأمر الثَّابتِ الذي لا دفاعَ له أو بالعدل من الله تعالى أو بالوعد الصِّدقِ { فَجَعَلْنَـٰهُمْ غُثَاء } أي كغُثاءِ السَّيلِ وهو حَميلُه { فَبُعْداً لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } إخبار أو دعاء وبُعداً من المصادر التي لا يكادُ يُستعمل ناصبُها. والمعنى بعدُوا بُعداً، أي هلكُوا. واللامُ لبـيانِ مَن قيلَ له: بُعداً ووضعُ الظَّاهر موضعَ الضَّميرِ للتَّعليلِ.