الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } * { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } * { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } * { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }

{ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } استقصاراً لمدَّةِ لبثهم فيها { فَاسْأَلِ ٱلْعَادّينَ } أي المتمكِّنينِ من العدِّ فإنَّا بما دهمَنا من العذاب بمعزلٍ من ذلك، أو الملائكةَ العادِّين لأعمار العبادِ وأعمالِهم. وقُرىء العادِين بالتَّخفيفِ، أي المُتعدِّين فإنَّهم أيضاً يقولُون ما نقولُ كأنَّهم الأتباعُ يُسمُّون الرُّؤساءَ بذلك لظُلمهم إيَّاهم بإضلالِهم. وقُرىء العَاديـينَ أي القدماءَ المُعمِّرين فإنَّهم أيضاً يستقصرُون مدَّة لبثِهم.

{ قَالَ } أي الله تعالى أو المَلَكُ. وقُرىء قُل، كما سبق { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } تصديقاً لَهُم في ذلك { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي تعلمُون شيئاً أو لو كنتُم من أهلِ العلمِ والجوابُ محذوفٌ ثقةً بدلالة ما سبقَ عليه أي لعلمتُم يومئذٍ قلَّةَ لبثِكم فيها كما علمتُم اليومَ ولعلمتُم بموجبِه ولم تُخلِدوا إليها.

{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً } أي ألم تعلمُوا شيئاً فحسبتُم أنَّما خلقناكُم بغيرِ حكمةٍ بالغةٍ حتَّى أنكرتُم البعثَ. فعبثاً حالٌ من نون العظمةِ أي عابثينَ، أو مفعولٌ له أي إنَّما خلقناكم للعَبَث { وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } عطفٌ على أنَّما فإنَّ خلقَكم بغير بعثٍ من قبـيل العَبَثِ وإنَّما خلقناكُم لنعيدَكُم ونجازيَكُم على أعمالِكم. وقُرىء تَرجعون بفتحِ التَّاءِ من الرُّجوعِ.

{ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ } استعظامٌ له تعالى ولشؤونِه التي تُصرَّفُ عليها عبادُه من البدءِ والإعادةِ والإثابةِ والعقابِ بموجب الحكمةِ البالغةِ أي ارتفعَ بذاتِه وتنزَّه عن مماثلةِ المخلوقينَ في ذاتِه وصفاتِه وأحوالِه وأفعالِه وعن خلوِّ أفعالِه عن الحكمِ والمصالحِ والغاياتِ الحميدةِ { ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } الذي يحقُّ له المُلكُ على الإطلاقِ إيجاداً وإعداماً بَدءاً وإعادة إحياءً وإماتةً عقاباً وإثابةً، وكلُّ ما سواهُ مملوكٌ له مقهورٌ تحتَ ملكوتِه { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فإنَّ كلَّ ما عداهُ عبـيدُه { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } فكيف بما تحتَهُ ومحاط به من الموجوداتِ كائناً ما كان. ووصفُه بالكرمِ إمَّا لأنَّه منه ينزلُ الوحيُ الذي منه القرآنُ الكريمُ أو الخيرُ والبركةُ والرحمةُ. أو لنسبته إلى أكرمِ الأكرمينَ وقُرىء الكريمُ بالرَّفعِ على أنَّه صفةُ الرَّبِّ كما في قوله تعالى:ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } [البروج: 15]. { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ } يعبدُه إفراداً أو إشراكاً { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } صفةٌ لازمةٌ لإلٰهاً كقولِه تعالى:يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38] جيءَ بها للتَّأكيدِ وبناءِ الحُكمِ عليه تنبـيهاً على أنَّ التَّدينِ بما لا دليلَ عليه باطلٌ فكيفَ بما شهدتْ بديهةُ العُقولِ بخلافِه. أو اعتراضٌ بـين الشَّرط والجزاءِ كقولِك: مَن أحسنَ إلى زيدٍ ـ لا أحقَّ منه بالإحسانِ ـ فالله مثيبُه { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ } فهو مجازٍ له على قدرِ ما يستحقُّه { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي إنَّ الشَّأنَ الخ. وقُرىء بالفتحِ على أنَّه تعليلٌ أو خبرٌ ومعناهُ حسابُه عدمُ الفلاحِ. والأصلُ: حسابُه إنَّه لا يُفلحُ هو فوُضعَ الكافرونَ موضعَ الضّميرِ لأنَّ من يدعُ في معنى الجمعِ وكذلك حسابُه أنَّه لا يفلحُ في معنى: «حسابُهم أنَّهم لا يُفلحون».

السابقالتالي
2