الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } * { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } * { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ }

{ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا } أي اسكتُوا في النَّارِ سكوتَ هوانٍ وذِلُّوا وانزجرُوا انزجارَ الكلابِ إذا زُجرتْ. من خسأتُ الكلبَ إذا زجرتَه فَخَسِأ أي انزجرَ { وَلاَ تُكَلّمُونِ } أي باستدعاءِ الإخراجِ من النَّار، والرَّجْعِ إلى الدُّنيا وقيل: لا تُكلِّمونِ في رفع العذابِ ويردُّه الَّعليلُ الآتِي وقيل: لا تُكلِّمونِ رأساً وهو آخرُ كلامٍ يتكلَّمونَ به ثم لا كلامَ بعد ذلكَ إلا الشَّهيقُ والزَّفيرُ والعُواءُ كعواءِ الكلبِ لا يَفْهمون ولا يُفهمون ويردُّه الخطاباتُ الآتيةُ قطعاً.

وقوله تعالى: { إِنَّهُ } تعليلٌ لما قبله من الزجرِ عن الدُّعاءِ أي أنَّ الشَّأنَ. وقُرىء بالفتحِ أي لأنَّ الشَّأنَ { كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى } وهُم المُؤمنون. وقيل: هم الصَّحابةُ. وقيل: أهلُ الصُّفَّةِ رضوان الله تعالى عليهم أجمعينَ { يَقُولُونَ } في الدُّنيا { رَبَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ * فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } أي اسكتُوا عن الدُّعاءِ بقولكم: ربنا الخ، لأنَّكم كنتُم تستهزئُون بالدَّاعينَ بقولهم: ربنا آمنا الخ، وتتشاغلُون باستهزائِهم { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ } أي الاستهزاءُ بهم { ذِكْرِى } من فرطِ اشتغالِكم باستهزائِهم { وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } وذلك غايةُ الاستهزاءِ.

وقولُه تعالى: { إِنِى جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ } استئنافٌ لبـيانِ حُسنِ حالِهم وأنَّهم انتفعُوا بمَا آذوهم { بِمَا صَبَرُواْ } بسبب صبرِهم على أذيَّتِكم. وقولُه تعالى: { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } ثاني مفعولَيْ الجزاءِ أي جزيتُهم فوزَهم بمجامعِ مراداتِهم مخصُوصينَ به. وقُرىء بكسرِ الهمزةِ على أنَّه تعليلٌ للجزاءِ وبـيانٌ لكونِه في غايةِ ما يكونُ من الحُسنِ.

{ قَالَ } أي الله عزَّ وجلَّ أو المَلَكُ المأمور بذلك تذكيراً لِما لبثُوا فيما سألُوا الرُّجوعَ إليه من الدُّنيا بعد التَّنبـيهِ على استحالتِه بقولِه: اخسؤُا فيها الخ. وقُرىء قُل، على الأمرِ للمَلَكِ { كَمْ لَبِثْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } التي تدْعُون أنْ ترجِعوا إليها { عَدَدَ سِنِينَ } تميـيزٌ لكَمْ.