الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } * { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } * { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }

{ فَمَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ } موزوناتُ حسناتِه من العقائدِ والأعمالِ أي فمن كانتْ له عقائدُ صحيحةٌ وأعمالٌ صالحةٌ يكون لها وزنٌ وقدرٌ عند الله تعالى { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الفائزونَ بكلِّ مطلوبٍ النَّاجُون من كلِّ مهروبٍ.

{ وَمَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ } أي ومَن لم يكُن له من العقائدِ والأعمالِ ما له وزنٌ وقدرٌ عنده تعالى وهم الكُفَّارُ لقوله تعالى:فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً } [الكهف: 105] وقد مرَّ تفصيلُ ما في هذا المقامِ من الكلامِ في تفسيرِ سورة الأعرافِ { فَأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } ضيَّعُوها بتضيـيع زمانِ استكمالِها وأبطلُوا استعدادَها لنيل كمالِها. واسمُ الإشارةِ في الموضعينِ عبارةٌ عن الموصولِ وجمعُه باعتبارِ معناهُ كما أنَّ إفرادَ الضَّميرِ في الصِّلتينِ باعتبارِ لفظه { فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ } بدلٌ من الصِّلةِ أو خبرٌ ثانٍ لأولئك.

{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } تحرِقُها. واللَّفحُ كالنَّفخُ إلاَّ أنَّه أشدُّ تأثيراً منه، وتخصيصُ الوجوهِ بذلك لأنَّها أشرفُ الأعضاء فبـيانُ حالِها أزجرُ عن المعاصي المؤدِّيةِ إلى النَّارِ وهو السِّرُّ في تقديمها على الفاعل { وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ } من شدَّةِ الاحتراقِ. والكُلوحُ: تقلُّصُ الشَّفتينِ عن الأسنانِ. وقُرىء كَلِحون.

{ أَلَمْ تَكُنْ ءايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } على إضمارِ القولِ أي يُقال لهم تعنيفاً وتوبـيخاً وتذكيراً لما به استحقُّوا ما ابتُلوا به من العذابِ: ألم تكُن آياتي تُتلى عليكم في الدُّنيا { فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ } حينئذٍ { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا } أي ملكتَنا { شِقْوَتُنَا } التي اقترفناها بسوءِ اختيارِنا كما ينبىءُ عنه إضافتُها إلى أنفسِهم. وقُرىء شَقوتُنا بالفتحِ وشقاوتُنا أيضاً بالفتحِ والكسرِ { وَكُنَّا } بسببِ ذلك { قَوْماً ضَالّينَ } عن الحقِّ ولذلك فعلنا من التَّكذيب وهذا كما ترى اعترافٌ منهم بأنَّ ما أصابهم قد أصابَهم بسوءِ صنيعهم وأمَّا ما قيل من أنَّه اعتذارٌ منهم بغلبة ما كُتب عليهم من الشَّقاوةِ الأزليَّةِ فمع أنَّه باطلٌ في نفسِه لما أنَّه لا يُكتبُ عليهم من السَّعادةِ والشَّقاوةِ إلا ما علمَ الله تعالى أنَّهم يفعلونَه باختيارِهم ضرورةَ أنَّ العلمَ تابعٌ للمعلومِ يردُّه قولُه تعالى: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ } أي أخرجْنَا من النَّار وارجعنا إلى الدُّنيا فإنْ عُدنا بعد ذلكَ إلى ما كُنَّا عليه من الكُفر والمَعاصي فإنَّا مُتجاوزون الحدَّ في الظُّلم ولو كانَ اعتقادُهم أنَّهم مجبورون على ما صَدَر عنهم لما سألُوا الرَّجعةَ إلى الدُّنيا ولما وَعدُوا الإيمانَ والطَّاعةَ بل قولُهم: فإنْ عُدنا صريحٌ في أنَّهم حينئذٍ على الإيمانِ والطَّاعةِ وإنَّما الموعُود على تقدير الرَّجعةِ إلى الدُّنيا الثَّباتُ عليها لا إحداثُهما.