الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

{ وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ } أي لله تعالى ولأجلِه أعداءَ دينِه الظاهرة كأهلِ الزَّيغِ والباطنةِ كالهَوَى والنَّفسِ وعنه عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه رجعَ من غزوةِ تبوكَ فقال: " رجعنا من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ " { حَقَّ جِهَـٰدِهِ } أي جهاداً فيه حقًّا خالصاً لوجهه فعكسَ وأضيف الحقُّ إلى الجهادِ مبالغةً كقولِك: هو حقٌّ عالمٌ وأُضيف الجهادُ إلى الضَّمير اتِّساعاً أو لأنَّه مختصٌّ به تعالى من حيثُ أنَّه مفعولٌ لوجهِه ومن أجلِه { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ } أي هو اختاركُم لدينِه ونصرتِه لا غيرُه وفيه تنبـيهٌ على ما يقتضي الجهادَ ويدعُو إليه { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي ضيقٍ بتكليف ما يشقُّ عليكم إقامتُه إشارة إلى أنَّه لا مانعَ لهم عنْهُ ولا عذرَ لهم في تركِه أو إلى الرُّخصةِ في إغفالِ بعضِ ما أمرَهم به حيث يشقُّ عليهم لقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: " إذا أمرتُكم بشيءٍ فأتُوا منه ما استطعتُم " وقيل: ذلك بأنْ جعلَ لهم من كلِّ ذنبٍ مخرجاً بأنْ رخَّص لهم في المضايقِ وفتحَ لهم بابَ التَّوبةِ وشرَع لهم الكفَّاراتِ في حقوقِه والأروشَ والدِّياتِ في حقوقِ العبادِ { مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰهِيمَ } نُصب على المصدرِ بفعلٍ دلَّ عليه مضمونُ ما قبلَه بحذفِ المضافِ أي وسع عليكم دينَكم توسعةَ ملَّةِ أبـيكم أو على الإغراءِ أو على الاختصاصِ وإنَّما جعله أباهم لأنَّه أبوُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو كالأبِ لأمَّتِه من حيثُ أنَّه سببٌ لحياتِهم الأبديَّةِ ووجودِهم على الوجه المعتدِّ به في الآخرةِ أو لأنَّ أكثرَ العربِ كانُوا من ذُرِّيتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فغُلِّبُوا على غيرِهم { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } في الكتبِ المُتقدِّمةِ.

{ وَفِى هَـٰذَا } أي في القرآنِ والضَّميرُ لله تعالى ويُؤيِّده أنَّه قُرىء الله سمَّاكُم، أو لإبراهيمَ وتسميتُهم بالمسلمينَ في القُرآن وإنْ لم تكُنْ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كانت بسببِ تسميته من قبلُ في قوله:وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [البقرة: 128] وقيل: وفي هذا تقديرُه: وفي هذا بـيانُ تسميتِه إيَّاكم المسلمينَ { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } يومَ القيامةِ متعلِّقٌ بسمَّاكُم { شَهِيداً عَلَيْكُمْ } بأنَّه بلَّغكُم فيدلُّ على قبولِ شهادتِه لنفسِه اعتماداً على عصمتِه أو بطاعة مَن أطاعَ وعصيانِ مَن عصى { وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } بتبليغِ الرُّسلِ إليهم { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } أي فتقرَّبُوا إلى الله بأنواعِ الطَّاعاتِ. وتخصيصُهما بالذِّكرِ لإنافتِهما وفضلِهما. { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ } أي ثقُوا به في مجامعِ أمورِكم ولا تطلبُوا الإعانةَ والنُّصرةَ إلاَّ منْه { هُوَ مَوْلَـٰكُمْ } ناصرُكم ومتولِّي أمورِكم { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } هو إذْ لا مثلَ له في الوَلاَيةِ والنُّصرةِ بل لا ولِيَّ ولا نصيرَ في الحقيقةِ سواهُ عزَّ وجلَّ.

عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: " مَن قرأ سُورةَ الحجِّ أُعطيَ من الأجرِ كحجَّةٍ حجَّها وعمرةٍ اعتمرَها بعددِ مَن حجَّ واعتمرَ فيما مَضَى وفيما بَقِيَ ".