الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

{ فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لما ندرَ منهم من الذُّنوبِ { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } هي الجنَّةُ. والكريمُ من كلِّ نوع ما يجمعُ فضائلَه ويحوزُ كمالاتِه.

{ وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِى ءايَـٰتِنَا مُعَـٰجِزِينَ } أي سابقين أو مُسابقين في زعمِهم وتقديرهم طامعين أنَّ كيدَهم للإسلام يتمُّ لهم. وأصلُه من عاجزَهُ وعجزَه فأعجزَه إذا سابقَه فسبقَه لأنَّ كُلاًّ من المتسابقينَ يريدُ إعجازَ الآخرِ عن اللَّحاق بهِ. وقُرىء مُعجزين أي مُثبِّطينَ النَّاسَ عن الإيمان على أنَّه حالٌ مقدَّرةٌ { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بما ذُكر من السَّعيِ والمُعاجزة { أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } أي ملازمُوا النَّارَ المُوقدةِ، وقيل: هو اسم دَرْكةٍ من دَرَكاتِها.

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِىّ } الرَّسولُ من بعثه الله تعالى بشريعةٍ جديدةٍ يدعُو النَّاسَ إليها، والنَّبـيُّ يعمُّه ومَن بعثه لتقريرِ شريعةٍ سابقةٍ كأنبـياءِ بني إسرائيلَ الذين كانُوا بـين موسى وعيسى عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ ولذلك شَبَّه عليه السَّلامُ علماءَ أُمَّتِه بهم. فالنَّبـيُّ أعمُّ من الرَّسول، ويدلُّ عليه " أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ سُئل عن الأنبـياءِ فقال: «مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً» قيل: فكم الرَّسولُ منهم؟ فقال: «ثلاثمائةٌ وثلاثةَ عشرَ جَمًّا غفيراً» " وقيل: الرَّسولُ من جمعَ إلى المعجزةِ كتاباً منزَّلاً عليه، والنَّبـيُّ غيرُ الرَّسولِ من لا كتابَ له. وقيل: الرَّسولُ من يأتيهِ المَلَكُ بالوحيِ، والنَّبـيُّ يقال لَه ولمن يُوحى إليهِ في المنامِ { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } أي هيَّأ في نفسِه ما يهواه { أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } في تشهِّيه ما يُوجب اشتغالَه بالدُّنيا كما قال عليه السَّلامُ: " وإنَّه ليُغانُ على قَلبـي فأستغفرُ الله في اليَّومِ سبعينَ مَرَّة " { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ } فيُبطله ويذهبُ به بعصمتِه عن الرُّكونِ إليه وإرشادِه إلى ما يُزيحه { ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ ءايَـٰتِهِ } أي يُثبت آياتِه الدَّاعية إلى الاستغراق في شؤون الحقِّ. وصيغةُ المضارع في الفعلينِ للدِّلالةِ على الاستمرار التَّجدُّدي. وإظهارُ الجلالة في موقعِ الإضمارِ لزيادةِ التَّقريرِ والإيذانِ بأنَّ الأُلوهيَّةَ من موجباتِ أحكامِ آياتِه الباهرةِ { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } مبالغٌ في العلمِ بكلِّ ما من شأنِه أنْ يُعلم ومن جُملتِه ما صدرَ عن العبادِ من قولٍ وفعلٍ عمداً أو خطأ { حَكِيمٌ } في كلِّ ما يفعلُ. والإظهارُ هٰهنا أيضاً لما ذُكر مع ما فيه من تأكيد استقلالِ الاعتراضِ التَّذيـيليِّ، قيل: حدَّث نفسَه بزوال المسكنةِ فنزلتْ، وقيل: تمنَّى لحرصِه على إيمان قومِه أنْ ينزل عليه ما يُقرِّبهم إليه واستمرَّ به ذلك حتَّى كان في ناديهم فنزلتْ عليه سورةُ النَّجم فأخذَ يقرؤها فلمَّا بلغَ ومناةَ الثَّالثةَ الأُخرى وسوسَ إليه الشَّيطانُ حتَّى سبق لسانُه سهواً إلى أنْ قال تلكَ الغرانيقُ العُلا وإنَّ شفاعتهنَّ لتُرتجى ففرح به المشركون حتَّى شايعُوه بالسُّجودِ لمَّا سجدَ في آخرِها بحيث لم يبقَ في المسجد مؤمنٌ ولا مشركٌ إلاَّ سجد ثم نبَّهه جَبريل عليه السلام فاغتمَّ به فعزَّاه الله عزَّ وجلَّ بهذه الآيةِ وهو مردودٌ عند المحقِّقين ولئن صحَّ فابتلاءٌ يتميَّز به الثَّابتُ على الإيمانِ عن المتزلزلِ فيه، وقيل: تمنَّى بمعنى قرأ كقوله: [الطويل]

السابقالتالي
2