الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }

{ وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } تسليةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم متضمِّنةٌ للوعدِ الكريمِ بإهلاكِ مَن يُعاديه من الكفَرَةِ وتعيـينٌ لكيفيَّةِ نصرِه تعالى له الموعودِ بقوله تعالى:وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } [الحج: 40] وبـيانٌ لرجوعِ عاقبةِ الأمور إليه تعالى. وصيغةُ المضارع في الشَّرطِ مع تحقُّقِ التَّكذيبِ لما أنَّ المقصودَ تسليتُه عليه السلام عمَّا يترتَّبُ على التَّكذيبِ من الحزن المتوقَّعِ أي وإنْ تحزنْ على تكذيبِهم إيَّاك فاعلم أنَّك لست بأوحديَ في ذلك فقد كذَّبتْ قبل تكذيبِ قومِك إيَّاك قومُ نوحٍ { وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرٰهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَـٰبُ مَدْيَنَ } أي رُسُلَهم ممَّن ذُكر ومَن لم يُذكر، وإنَّما حُذف لكمال ظهور المرادِ أو لأنَّ المرادَ نفسُ الفعل أي فعلتْ التَّكذيبَ قومُ نوحٍ إلى آخره. { وَكُذّبَ مُوسَىٰ } غُيِّر النَّظمُ الكريم بذكرِ المفعولِ وبناء الفعل له لا لأنَّ قومَه بنوُ إسرائيل وهم لم يكذِّبوه وإنَّما كذَّبه القِبْطُ لما أنَّ ذلك إنَّما يقتضي عدمَ ذكرِهم بعُنوان كونِهم قومَ مُوسى لا بعنوانٍ آخرَ على أنَّ بني إسرائيلَ أيضاً قد كذَّبوه مرَّةً بعد أُخرى حسبما نطقَ به قوله تعالى:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [البقرة: 55] ونحو ذلك من الآياتِ الكريمة بل للإيذانِ بأنَّ تكذيبَهم له كان في غاية الشَّناعةِ لكون آياتِه في كمال الوضوحِ وقوله تعالى: { فَأمْلَيْتُ لِلْكَـٰفِرِينَ } أي أمهلتهم حتَّى انصرمتْ حبالُ آجالِهم. والفاءُ لترتيبِ إمهالِ كلِّ فريقٍ من فِرق المكذِّبـينَ على تكذيب ذلك الفريقِ لا لترتيب إمهال الكلِّ على تكذيب الكلِّ. ووضعُ الظَّاهر موضعَ الضَّميرِ العائد إلى المكذِّبـين لذمِّهم بالكفرِ والتَّصريحِ بمكذبِـي موسى عليه السلام حيثُ لم يذكروا فيما قبل صَريحاً { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أخذتُ كلَّ فريقٍ من فرق المكذِّبـين بعد انقضاء مدَّةِ إملائِه وإمهالِه { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي إنكارِي عليهم بالإهلاك أي فكان ذلك في غاية ما يكون من الهول والفظاعة.

وقوله تعالى: { فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } منصوبٌ بمضمر يفسِّرُه قوله تعالى: { أَهْلَكْنَـٰهَا } أي فأهلكنا كثيراً من القُرى بإهلاك أهلهِا. والجملةُ بدلٌ من قوله تعالى: { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [الحج: 44] أو مرفوعٌ على الابتداءِ وأهلكنا خبرُهُ أي فكثيرٌ من القُرى أهلكناها. وقُرىء أهلكتُها على وفق قوله تعالى: { فَأمْلَيْتُ لِلْكَـٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [الحج: 44] { وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ } جملة حاليَّةٌ من مفعول أهلكنا. وقوله تعالى: { فَهِىَ خَاوِيَةٌ } عطفٌ على أهلكناها لا على (وهي ظالمةٌ) لأنَّها حالٌ والإهلاك ليس في حالِ خوائها فعلى الأوَّلِ لا محلَّ له من الإعرابِ كالمعطوف عليه وعلى الثَّاني في محلِّ الرَّفعِ لعطفه على الخبرِ والخَوَاءُ إمَّا بمعنى السُّقوطِ من خَوَى النَّجمُ إذ سقطَ فالمعنى فهي ساقطةٌ حيطانُها { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي سُقوفِها بأنْ تعطَّل بنيانُها فخرَّتْ سقوفُها ثم تهدَّمتْ حيطانُها فسقطتْ فوق السُّقوفِ.

السابقالتالي
2