الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ }

{ لّيَشْهَدُواْ } متعلِّقٌ بـيأتُوك، لا بأذِّنْ أي ليحضرُوا { مَنَـٰفِعُ } عظيمةَ الخطرِ كثيرةَ العددِ أو نوعاً من المنافع الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ المختصَّةِ بهذه العبادة. واللاَّمُ في قوله تعالى: { لَهُمْ } متعلِّقٌ بمحذوف هو صفة لمنافع أي منافع كائنةً لهم. { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } عند إعداد الهَدَايا والضَّحايا وذبحها. وفي جعله غايةً للإتيانِ إيذانٌ بأنَّه الغاية القُصوىٰ دون غيرِه. وقيل هو كناية عن الذَّبحِ لأنَّه لا ينفكُّ عنه { فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ } هي أيَّامُ النَّحرِ كما ينبىء عنه قوله تعالى: { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } فإنَّ المراد بالذِّكرِ ما وقع عند الذَّبحِ. وقيل هي عشرُ ذي الحجَّةِ قد علِّق الفعلُ بالمرزوقِ وبُـيِّنَ بالبهيمة تحريضاً على التَّقرُّبِ وتنبـيهاً على الذِّكرِ { فَكُلُواْ مِنْهَا } التفاتٌ إلى الخطاب. والفاءُ فصيحةٌ عاطفة لمدخولِها على مقدَّرٍ قد حُذف للإشعار بأنَّه أمرٌ محقَّقٌ غير مُحتاجٍ إلى التَّصريح به كما في قوله تعالى:فَٱنفَجَرَتْ } [البقرة: 60] أي فاذكرُوا اسمَ اللَّهِ على ضحاياكم فكلُوا من لحومِها. والأمرُ للإباحة وإزاحةِ ما كانت عليه أهلُ الجاهليَّةِ من التَّحرُّجِ فيه أو للنَّدبِ إلى مواساة الفُقراء ومساواتِهم { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ } أي الذي أصابه بُؤسٌ وشدَّةٌ { ٱلْفَقِيرَ } المُحتاجَ وهذا الأمرُ للوجوب. وقد قيل به في الأوَّلِ أيضاً.

{ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } أي ليؤدُّوا إزالة وَسَخِهم أو ليحكموها بقصِّ الشَّاربِ والأظفارِ ونتفِ الإبْطِ والاستحدادِ عند الإحلال { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } ما ينذرون من البِرِّ في حجِّهم وقيل مواجبُ الحجِّ. وقُرىء بفتح الواو وتشديدِ الفاءِ { وَلْيَطَّوَّفُواْ } طوافَ الرُّكنِ الذي به يتمُّ التَّحللُ فإنَّه قرينةُ قضاء التَّفثِ، وقيل طواف الوداع. { بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي القديمِ فإنَّه أوَّلُ بـيت وُضع للنَّاسِ. أو المُعتَقِ من تسلُّطِ الجبابرةِ فكأينْ من جبَّارٍ سار إليه ليهدِمه فقصَمه اللَّهُ عزَّ وجلَّ. وأما الحجَّاجُ الثَّقفي فإنَّما قصد إخراجَ ابنِ الزُّبـيرِ رضي اللَّه عنهما منه لا التَّسلُّطَ عليه.

{ ذٰلِكَ } أي الأمرُ ذلك، وهذا وأمثالُه يُطلق للفصل بـين الكلامينِ أو بـين وجهَيْ كلامٍ واحد { وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ } أي أحكامَه وسائر ما لا يحلُّ هتكُه بالعلم بوجوب مُراعاتها والعملِ بموجبه. وقيل الحُرمُ وما يتعلَّق بالحجِّ من التَّكاليفِ. وقيل الكعبةُ والمسجدُ الحرامُ والبلدُ الحرامُ والشَّهرُ الحرامُ { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي فالتَّعظيمُ خير له ثواباً { عِندَ رَبّهِ } أي في الآخرة، والتَّعرُّضُ لعُنوانِ الرُّبوبـيَّةِ مع الإضافة إلى ضمير مَن لتشريفه والإشعار بعلَّةِ الحكم. { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمُ } وهي الأزواج الثَّمانيةُ على الإطلاقِ فقوله تعالى: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي إلا ما يُتلى عليكم آيةُ تحريمهِ. استثناءٌ متَّصلٌ منها على أنَّ ما عبارةٌ عمَّا حُرِّم منها لعارضٍ كالميتة وما أُهلَّ به لغير الله تعالى. والجملةُ اعتراضٌ جيء به تقريراً لما قبله من الأمرِ بالأكل والإطعام ودفعاً لما عسى يُتوهَّم أنَّ الإحرامَ يحرِّمُه كما يحرم الصَّيدُ.

السابقالتالي
2